«وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ» دون في موضعالرفع بالابتداء و لكنه جاء منصوبا لتمكنهفي الظرفية و مثله على قول أبي الحسنلَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ هو في موضعالرفع فجاء منصوبا لهذا المعنى و كذلك فيقوله يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُبَيْنَكُمْ بين في موضع رفع لقيامه مقامالفاعل و إن شئت كان التقدير و منهم جماعةدون ذلك فحذف الموصوف و قامت صفته مقامه.
المعنى
ثم خاطب سبحانه النبي فقال «وَ إِذْتَأَذَّنَ رَبُّكَ» معناه و اذكر يا محمدإذ أذن و أعلم ربك فإن تأذن و أذن بمعنى وقيل معناه تألى ربك أي أقسم القسم الذييسمع بالأذن و قيل معناه قال ربك عن ابنعباس «لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ» أي علىاليهود «إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْيَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ» أي منيذيقهم و يوليهم شدة العذاب بالقتل و أخذالجزية منهم و المعني به أمة محمد (ص) عند جميع المفسرينو هو المروي عن أبي جعفر (ع) و هذا يدل على أن اليهود لا تكون لهم دولةإلى يوم القيامة و لا عز و أما معنى البعثهاهنا فهو الأمر و الإطلاق و المعونة و قيلمعناه التخلية و إن وقع على وجه المعصيةكقوله سبحانه «أَنَّا أَرْسَلْنَاالشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَتَؤُزُّهُمْ أَزًّا» «إِنَّ رَبَّكَلَسَرِيعُ الْعِقابِ» لمن يستوجبه علىالكفر و المعصية «وَ إِنَّهُ لَغَفُورٌرَحِيمٌ» ظاهر المعنى و إنما قال سريعالعقاب و إن كان العقاب مؤخرا إلى يومالقيامة لأن كل آت فهو قريب و قيل معناهسريع العقاب لمن شاء أن يعاقبه في الدنيا«وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِأُمَماً» معناه و فرقناهم في البلاد فرقامختلفة و جماعات شتى يعني اليهود عن ابنعباس و مجاهد و إنما فرقهم بأن فرق دواعيهمحتى افترقوا في البلاد و تفرقهم ذل لهمبمنزلة أخذ الجزية لأنهم لا يتعاونون و لايتناصرون و قيل إنه فرقهم لما علم سبحانهمن الصلاح لهم في دينهم فصلح فريق و عصىفريق ثم أخبر سبحانه عنهم فقال «مِنْهُمُالصَّالِحُونَ» أي من هؤلاء الصالحونيعني من بني إسرائيل و هم الذين يؤمنونبالله و رسله و يطيعونه «وَ مِنْهُمْدُونَ ذلِكَ» أي دون الصالح في الدرجة والمنزلة و هم الذين امتثلوا بعض الأوامردون بعض و عملوا بعض المعاصي و إنما وصفهمبما كانوا عليه قبل ارتدادهم و كفرهم و ذلكقبل أن يبعث فيهم عيسى (ع) و قيل معناه منهمالمؤمنون بمحمد و عيسى (ع) و منهم الكافرونعن عطاء و مجاهد «وَ بَلَوْناهُمْبِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ» معناهاختبرناهم بالرخاء في العيش و الخفض فيالدنيا و الدعة و السعة في الرزق بالشدائدفي العيش و المصائب في الأنفس و الأموالفكأنه قال بلوناهم بالنعم و النقم والرخاء و الشدة فإن