تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
باختلاف الأعصار فكلّما نزلوا الأرياف وتفنّقوا (1) النّعيم و ألفوا عوائد الخصب فيالمعاش و النّعيم، نقص من شجاعتهم بمقدارما نقص من توحّشهم و بداوتهم و اعتبر ذلكفي الحيوانات العجم بدواجن الظّباء والبقر الوحشيّة و الحمر إذا زال توحّشهابمخالطة الآدميّين و أخصب عيشها كيف يختلفحالها في الانتهاض (2) و الشّدّة حتّى فيمشيتها و حسن أديمها و كذلك الآدميّالمتوحّش إذا أنس و ألف و سببه أنّ تكوّنالسّجايا و الطّبائع إنّما هو عنالمألوفات و العوائد و إذا كان الغلبللأمم إنّما يكون بالإقدام و البسالة فمنكان من هذه الأجيال أعرق في البداوة و أكثرتوحّشا كان أقرب إلى التّغلّب على سواهإذا تقاربا في العدد و تكافئا في القوّةالعصبيّة و انظر في ذلك شأن مضر مع منقبلهم من حمير و كهلان السّابقين إلىالملك و النّعيم و مع ربيعة المتوطّنينأرياف العراق و نعيمه لمّا بقي مضر فيبداوتهم و تقدّمهم الآخرون إلى خصب العيشو غضارة (3) النّعيم كيف أرهفت البداوةحدّهم في التّغلّب فغلبوهم على ما فيأيديهم و انتزعوه منهم و هذا حال بني طيِّئو بني عامر بن صعصعة و بني سليم بن منصور ومن بعدهم لمّا تأخّروا في باديتهم عن سائرقبائل مضر و اليمن و لم يتلبّسوا بشيء مندنياهم كيف أمسكت حال البداوة عليهم قوّةعصبيّتهم و لم تخلفها مذاهب التّرف حتّىصاروا أغلب على الأمر منهم و كذا كلّ حيّمن العرب يلي نعيما و عيشا خصبا دون الحيّالآخر فإنّ الحيّ المتبدّي (4) يكون أغلب لهو أقدر عليه إذا تكافئا في القوّة و العدد.سنة الله في خلقه.