تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
لعصبيّتهم و غلبهم و ليس ذلك سدى فيهم و لاوجد عبثا منهم و الملك أنسب المراتب والخيرات لعصبيّتهم فعلمنا بذلك أنّ اللهتأذّن لهم بالملك و ساقه إليهم و بالعكس منذلك إذا تأذّن الله بانقراض الملك من أمّةحملهم على ارتكاب المذمومات و انتحالالرّذائل و سلوك طرقها فتفقد الفضائلالسّياسيّة منهم جملة و لا تزال في انتقاصإلى أن يخرج الملك من أيديهم و يتبدّل بهسواهم ليكون نعيا عليهم في سلب ما كان اللهقد أتاهم من الملك و جعل في أيديهم منالخير «وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَقَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيهافَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَاالْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً 17:16» (1) و استقرئ ذلك و تتبّعه في الأممالسّابقة تجد كثيرا ممّا قلناه و رسمناه والله يخلق ما يشاء و يختار و اعلم أنّ منخلال الكمال الّتي يتنافس فيها القبائلأولو العصبيّة و تكون شاهدة لهم بالملكإكرام العلماء و الصّالحين و الأشراف وأهل الأحساب و أصناف التّجار و الغرباء وإنزال النّاس منازلهم و ذلك أنّ إكرامالقبائل و أهل العصبيات و العشائر لمنيناهضهم في الشّرف و يجاذ بهم حبل العشير والعصبيّة و يشاركهم في اتّساع الجاه أمرطبيعيّ يحمل عليه في الأكثر الرّغبة فيالجاه أو المخافة من قوم المكرم أو التماسمثلها منه و أمّا أمثال هؤلاء ممّن ليس لهمعصبيّة تتّقى و لا جاه يرتجى فيندفعالشّكّ في شأن كرامتهم و يتمحّض القصدفيهم أنّه للمجد و انتحال الكمال فيالخلال و الإقبال على السّياسة بالكلّيّةلأنّ إكرام أقتاله (2) و أمثاله ضروريّ فيالسّياسة الخاصّة بين قبيله و نظرائه وإكرام الطّارئين من أهل الفضائل والخصوصيّات كمال في السّياسة العامّةفالصّالحون للدّين و العلماء للجائيإليهم في إقامة مراسم الشّريعة و التّجّارللتّرغيب حتّى تعمّ المنفعة بما في أيديهمو الغرباء من مكارم الأخلاق و إنزالالنّاس منازلهم من الإنصاف و هو من العدلفيعلم بوجود ذلك من أهل عصبيّته انتماؤهمللسّياسة العامّة و هي الملك و أنّ الله قدتأذّن بوجودها فيهم لوجود علاماتها و لهذاكان أوّل ما يذهب