تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
من توزيعهم حصصا على الممالك و الثّغورالّتي تصير إليهم و يستولون عليهالحمايتها من العدوّ و إمضاء أحكام الدّولةفيها من جباية و ردع و غير ذلك فإذا توزّعتالعصائب كلّها على الثّغور و الممالك فلابدّ من نفاد عددها و قد بلغت الممالك حينئذإلى حدّ يكون ثغرا للدّولة و تخما لوطنها ونطاقا لمركز ملكها فإن تكفّلت الدّولة بعدذلك زيادة على ما بيدها بقي دون حامية وكان موضعا لانتهاز الفرصة من العدوّ والمجاور و يعود و بال ذلك على الدّولة بمايكون فيه من التّجاسر و خرق سياج الهيبة وما كانت العصابة موفورة و لم ينفد عددها فيتوزيع الحصص على الثّغور و النّواحي بقيفي الدّولة قوّة على تناول ما وراء الغايةحتّى ينفسح نطاقها إلى غايته و العلّةالطّبيعيّة في ذلك هي قوّة العصبيّة منسائر القوى الطّبيعيّة و كلّ قوّة يصدرعنها فعل من الأفعال فشأنها ذلك في فعلها والدّولة في مركزها أشدّ ممّا يكون فيالطّرف و النّطاق و إذا انتهت إلى النّطاقالّذي هو الغاية عجزت و أقصرت عمّا وراءهشأن الأشعّة و الأنوار إذا انبعثت منالمراكز و الدّوائر المنفسحة على سطحالماء من النّقر عليه ثمّ إذا أدركهاالهرم و الضّعف فإنّما تأخذ في التّناقصمن جهة الأطراف و لا يزال المركز محفوظاإلى أن يتأذّن الله بانقراض الأمر جملةفحينئذ يكون انقراض المركز و إذا غلب علىالدّولة من مركزها فلا ينفعها بقاءالأطراف و النّطاق بل تضمحلّ لوقتها فإنّالمركز كالقلب الّذي تنبعث منه الرّوحفإذا غلب على القلب و ملك انهزم جميعالأطراف و انظر هذا في الدّولة الفارسيّةكان مركزها المدائن فلمّا غلب المسلمونعلى المدائن انقرض أمر فارس أجمع و لم ينفعيزدجرد ما بقي بيده من أطراف ممالكه وبالعكس من ذلك الدّولة الرّوميّة بالشّاملمّا كان مركزها القسطنطينيّة و غلبهمالمسلمون بالشّام تحيّزوا إلى مركزهمبالقسطنطينيّة و لم يضرّهم انتزاع الشّاممن أيديهم فلم يزل ملكهم متّصلا بها إلى أنتأذّن الله بانقراضه و انظر أيضا شأنالعرب أوّل الإسلام لمّا كانت عصائبهمموفورة كيف غلبوا على ما جاورهم من الشّامو العراق