تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
البعيد و الصّيت، و الشّمل الجميع فيمظاهرته و لعدوّهم الشّمل الشّتيت، صلىالله عليه و عليهم ما اتّصل بالإسلام جدّهالمبخوت. و انقطع بالكفر حبله المبتوت، وسلم كثيرا.أمّا بعد فإنّ فنّ التّاريخ من الفنونالّتي تتداوله الأمم و الأجيال و تشدّإليه الرّكائب و الرّحال، و تسمو إلىمعرفته السّوقة و الأغفال، و تتنافس فيهالملوك و الأقيال (1)، و تتساوى في فهمهالعلماء و الجهّال، إذ هو في ظاهره لا يزيدعلى أخبار عن الأيّام و الدّول، والسّوابق من القرون الأول، تنمو (2) فيهاالأقوال، و تضرب فيها الأمثال، و تطرف بهاالأندية إذا غصّها الاحتفال، و تؤدّي لناشأن الخليقة كيف تقلّبت بها الأحوال، واتّسع للدّول فيها النّطاق و المجال، وعمّروا الأرض حتّى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزّوال، و في باطنه نظر و تحقيق،و تعليل للكائنات و مبادئها دقيق، و علمبكيفيّات الوقائع و أسبابها عميق، فهولذلك أصيل في الحكمة عريق، و جدير بأن يعدّفي علومها و خليق.و إنّ فحول المؤرخين في الإسلام قداستوعبوا أخبار الأيّام و جمعوها، وسطّروها في صفحات الدّفاتر و أودعوها، وخلطها المتطفّلون بدسائس من الباطل و هموافيها و ابتدعوها، و زخارف من الرّواياتالمضعفة لفّقوها و وضعوها، و اقتفى تلكالآثار الكثير ممّن بعدهم و اتّبعوها، وأدّوها إلينا كما سمعوها، و لم يلاحظواأسباب الوقائع و الأحوال و لم يراعوها، ولا رفضوا ترّهات الأحاديث و لا دفعوها،فالتّحقيق قليل، و طرف التّنقيح في الغالبكليل، و الغلط و الوهم نسيب للأخبار وخليل، و التّقليد عريق في الآدميّين وسليل، و التّطفّل على الفنون عريض طويل، ومرعى الجهل بين الأنام وخيم وبيل، و الحقّلا يقاوم سلطانه، و الباطل يقذف بشهابالنّظر شيطانه، و النّاقل إنّما هو يملي وينقل، و البصيرة تنقد الصّحيح إذا تمقّل،و العلم يجلو لها صفحات القلوب و يصقل.