تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
و الأمصار ذات هياكل و أجرام عظيمة و بناءكبير و هي موضوعة للعموم لا للخصوص فتحتاجإلى اجتماع الأيدي و كثرة التّعاون و ليستمن الأمور الضّروريّة للنّاس الّتي تعمّبها البلوى حتّى يكون نزوعهم إليهااضطرارا بل لا بدّ من إكراههم على ذلك وسوقهم إليه مضطهدين بعصا الملك أو مرغّبينفي الثّواب و الأجر الّذي لا يفي بكثرتهإلّا الملك و الدّولة. فلا بدّ في تمصيرالأمصار و اختطاط المدن من الدّولة والملك. ثمّ إذا بنيت المدينة و كمل تشييدهابحسب نظر من شيّدها و بما اقتضته الأحوالالسّماويّة و الأرضيّة فيها فعمر الدّولةحينئذ عمر لها فإن كان عمر الدّولة قصيراوقف الحل فيها عند انتهاء الدّولة و تراجععمرانها و خربت و إن كان أمد الدّولة طويلاو مدّتها منفسحة فلا تزال المصانع فيهاتشاد و المنازل الرّحيبة تكثر و تتعدّد ونطاق الأسواق يتباعد و ينفسح إلى أن تتّسعالخطّة و تبعد المسافة و ينفسح ذرعالمساحة كما وقع ببغداد و أمثالها. ذكرالخطيب في تأريخه أنّ الحمّامات بلغ عددهاببغداد لعهد المأمون خمسة و ستّين ألفحمّام و كانت مشتملة على مدن و أمصارمتلاصقة و متقاربة تجاوز الأربعين و لمتكن مدينة وحدها يجمعها سور واحد لإفراطالعمران و كذا حال القيروان و قرطبة والمهديّة في الملّة الإسلاميّة و حال مصرالقاهرة بعدها فيما بلغنا لهذا العهد وأمّا بعد انقراض الدّولة المشيّدةللمدينة فإمّا أن يكون لضواحي تلك المدينةو ما قاربها من الجبال و البسائط باديةيمدّها العمران دائما فيكون ذلك حافظالوجودها و يستمرّ عمرها بعد الدّولة كماتراه بفاس و بجاية من المغرب و بعراق العجممن المشرق الموجود لها العمران من الجباللأنّ أهل البداوة إذا انتهت أحوالهم إلىغاياتها من الرّفه و الكسب تدعو إلىالدّعة و السّكون الّذي في طبيعة البشرفينزلون المدن و الأمصار و يتأهّلون وأمّا إذا لم يكن لتلك المدينة المؤسّسةمادّة تفيدها العمران بترادف السّاكن منبدوها فيكون انقراض الدّولة خرقا لسياجهافيزول حفظها و يتناقص عمرانها شيئا فشيئاإلى أن يبذعرّ (1)