تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
عالم الحسّ. ثمّ نستدلّ على عالم ثالثفوقنا بما نجد فينا من آثاره الّتي تلقى فيأفئدتنا كالإرادات و الوجهات، نحوالحركات الفعليّة، فنعلم أنّ هناك فاعلايبعثنا عليها من عالم فوق عالمنا و هو عالمالأرواح و الملائكة. و فيه ذوات مدركةلوجود آثارها فينا مع ما بيننا و بينها منالمغايرة. و ربّما يستدلّ على هذا العالمالأعلى الروحانيّ و ذواته بالرّؤيا و مانجد في النوم، و يلقى إلينا فيه من الأمورالّتي نحن في غفلة عنها في اليقظة، و تطابقالواقع في الصّحيحة منها، فنعلم أنّها حقّو من عالم الحقّ. و أمّا أضغاث الأحلامفصور خياليّة يخزنها الإدراك في الباطن ويجول فيها الفكر بعد الغيبة عن الحسّ. و لانجد على هذا العالم الروحانيّ برهانا أوضحمن هذا، فنعلمه كذلك على الجملة و لا ندركله تفصيلا.و ما يزعمه الحكماء الإلهيّون في تفصيلذواته و ترتيبها، المسمّاة عندهمبالعقول، فليس شيء من ذلك بيقينيّلاختلال شرط البرهان النّظريّ فيه، كما هومقرّر في كلامهم في المنطق. لأنّ من شرطهأن تكون قضاياه أوّليّة ذاتيّة.و هذه الذوات الروحانيّة مجهولةالذاتيّات، فلا سبيل للبرهان فيها. و لايبقى لنا مدرك في تفاصيل هذه العوالم إلّاما نقتبسه من الشّرعيّات الّتي يوضحهاالإيمان و يحكمها. و أعقد هذه العوالم فيمدركنا عالم البشر، لأنّه وجدانيّ مشهودفي مداركنا الجسمانيّة و الروحانيّة. ويشترك في عالم الحسّ مع الحيوانات و فيعالم العقل و الأرواح مع الملائكة الّذينذواتهم من جنس ذواته، و هي ذوات مجرّدة عنالجسمانيّة و المادّة، و عقل صرف يتّحدفيه العقل و العاقل و المعقول، و كأنّه ذاتحقيقتها الإدراك و العقل، فعلومهم حاصلةدائما مطابقة بالطبع لمعلوماتهم لا يقعفيها خلل البتّة.و علم البشر هو حصول صورة المعلوم فيذواتهم بعد أن لا تكون حاصلة. فهو كلّهمكتسب، و الذات الّتي يحصل فيها صورالمعلومات و هي النفس مادّة هيولانيّةتلبس صور الوجود بصور المعلومات الحاصلةفيها شيئا شيئا، حتّى