تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
الجسمانيّة البسيطة، و كما في النخل والكرم من آخر أفق النبات مع الحلزون والصدف من أفق الحيوان و كما في القردةالّتي استجمع فيها الكيس و الإدراك معالإنسان صاحب الفكر و الرويّة. و هذاالاستعداد الّذي في جانبي كلّ أفق منالعوالم هو معنى الاتّصال فيها.و فوق العالم البشريّ عالم روحانيّ، شهدتلنا به الآثار الّتي فينا منه، بما يعطينامن قوى الإدراك و الإرادة فذوات العلمالعالم إدراك صرف و تعقّل محض، و هو عالمالملائكة، فوجب من ذلك كلّه أن يكون للنفسالإنسانيّة استعداد للانسلاخ من البشريّةإلى الملكيّة، لتصير بالفعل من جنسالملائكة وقتا من الأوقات، و في لمحة مناللّمحات. ثمّ تراجع بشريّتها و قد تلقّتفي عالم الملكيّة ما كلّفت بتبليغه إلىأبناء جنسها من البشر. و هذا هو معنى الوحيو خطاب الملائكة. و الأنبياء كلّهممفطورون عليه، كأنّه جبلّة لهم و يعالجونفي ذلك الانسلاخ من الشدّة و الغطيط ما هومعروف عنهم. و علومهم في تلك الحالة علمشهادة و عيان، لا يلحقه الخطأ و الزلل، ولا يقع فيه الغلط و الوهم، بل المطابقة فيهذاتيّة لزوال حجاب الغيب و حصول الشهادةالواضحة، عند مفارقة هذه الحالة إلىالبشريّة، لا يفارق علمهم الوضوح،استصحابا له من تلك الحالة الأولى، و لماهم عليه من الذكاء المفضي بهم إليها،يتردّد ذلك فيهم دائما إلى أن تكمل هدايةالأمّة الّتي بعثوا لها، كما في قولهتعالى: «إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْيُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌواحِدٌ، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ 41: 6». فافهم ذلك و راجع ماقدّمناه لك أوّل الكتاب، في أصنافالمدركين للغيب، يتّضح لك شرحه و بيانه،فقد بسطناه هنالك بسطا شافيا. و اللهالموفّق