تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
محصّلا بتفاصيله حتّى لا يشذّ منه شيءعن علمه سلّمنا له تحليق هذا الإنسان وأنّى له ذلك. و لنقرّب هذا البرهانبالاختصار ليسهل فهمه فنقول: حاصل صناعةالكيمياء و ما يدّعونه بهذا التّدبير أنّهمساوقة الطّبيعية المعدنيّة بالفعلالصّناعيّ و محاذاتها به إلى أن يتمّ كونالجسم المعدنيّ أو تخليق مادّة بقوى وأفعال و صورة مزاجيّة تفعل في الجسم فعلاطبيعيّا فتصيّره و تقلّبه إلى صورتها.و الفعل الصّناعيّ مسبوق بتصوّرات أحوالالطّبيعة المعدنيّة الّتي يقصد مساوقتهاأو محاذاتها أو فعل المادّة ذات القوىفيها تصوّرا مفصّلا واحدة بعد أخرى. و تلكالأحوال لا نهاية لها و العلم البشريّعاجز عن الإحاطة بما دونها و هو بمثابة منيقصد تخليق إنسان أو حيوان أو نبات. هذامحصّل هذا البرهان و هو أوثق ما علمته وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول كمارأيته و لا من الطّبيعة إنّما هو من تعذّرالإحاطة و قصور البشر عنها. و ما ذكره ابنسينا بمعزل عن ذلك و له وجه آخر فيالاستحالة من جهة غايته. و ذلك أنّ حكمةالله في الحجرين و ندورهما أنّهما قيملمكاسب النّاس و متموّلاتهم. فلو حصلعليهما بالصّنعة لبطلت حكمة الله في ذلك وكثر وجودهما حتّى لا يحصل أحد مناقتنائهما على شيء. و له وجه آخر منالاستحالة أيضا و هو أنّ الطّبيعة لا تتركأقرب الطّرق في أفعالها و ترتكب الأعوص والأبعد. فلو كان هذا الطّريق الصّناعيّالّذي يزعمون أنّه صحيح و أنّه أقرب منطريق الطّبيعة في معدنها أو أقلّ زمانالما تركته الطّبيعة إلى طريقها الّذيسلكته في كون الفضّة و الذّهب و تخلّقهما وأمّا تشبيه الطّغراءي هذا التّدبير بماعثر عليه من مفردات لأمثاله في الطّبيعةكالعقرب و النّحل و الحيّة و تخليقها فأمرصحيح في هذه أدّى إليه العثور كما زعم. وأمّا الكيمياء فلم ينقل عن أحد من أهلالعالم أنّه عثر عليها و لا على طريقها وما زال منتحلوها يخبطون فيها عشواء إلىهلمّ جرّا و لا يظفرون إلّا بالحكاياتالكاذبة. و لو صحّ ذلك لأحد منهم لحفظه عنهأولاده أو تلميذه و أصحابه و تنوقل فيالأصدقاء و ضمن تصديقه