تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
صحّة العمل بعده إلى أن ينتشر و يبلغإلينا و إلى غيرنا. و أمّا قولهم إنّالإكسير بمثابة الخميرة. و إنّه مركّبيحيل ما يحصل فيه و يقلبه إلى ذلك فاعلمأنّ الخميرة إنّما تقلب العجين و تعدّهللهضم و هو فساد و الفساد في الموادّ سهليقع بأيسر شيء من الأفعال و الطّبائع. والمطلوب بالإكسير قلب المعدن إلى ما هوأشرف منه و أعلى فهو تكوين و صلاح والتّكوين أصعب من الفساد فلا يقاس الإكسيربالخميرة. و تحقيق الأمر في ذلك أنّالكيمياء إن صحّ وجودها كما تزعم الحكماءالمتكلّمون فيها مثل جابر بن حيّان ومسلمة بن أحمد المجريطيّ و أمثالهم فليستمن باب الصّنائع الطّبيعيّة و لا تتمّبأمر صناعيّ. و ليس كلامهم فيها من منحىالطّبيعيّات إنّما هو من منحى كلامهم فيالأمور السّحريّة و سائر الخوارق و ما كانمن ذلك للحلّاج و غيره و قد ذكر مسلمة فيكتاب الغاية ما يشبه ذلك. و كلامه فيها فيكتاب رتبة الحكيم من هذا المنحى و هذا كلامجابر في رسائله و نحو كلامهم فيه معروف ولا حاجة بنا إلى شرحه و بالجملة فأمرهاعندهم من كلّيّات الموادّ الخارجة عن حكمالصّنائع فكما لا يتدبّر ما منه الخشب والحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيماعدا مجرى تخليقه كذلك لا يتدبّر ذهب منمادّة الذّهب في يوم و لا شهر و لا يتغيّرطريق عادته إلّا بإرفاد ما وراء عالمالطّبائع و عمل الصّنائع فكذلك من طلبالكيمياء طلبا صناعيّا ضيّع ماله و عمله ويقال لهذا التّدبير الصّناعيّ التّدبيرالعقيم لأنّ نيله إن كان صحيحا فهو واقعممّا وراء الطّبائع و الصّنائع كالمشي علىالماء و امتطاء الهواء و النّفوذ في كشائفالأجساد و نحو ذلك من كرامات الأولياءالخارقة للعادة أو مثل تخليق الطّير ونحوها من معجزات الأنبياء. قال تعالى: «وَإِذْ تَخْلُقُ من الطِّينِ كَهَيْئَةِالطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهافَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي 5: 110» (1) وعلى ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال منيؤتاها. فربّما أوتيها الصّالح و يؤتيهاغيره فتكون عنده