تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
ذلك أعظم معنى. و يسلكون بالطّبيعةالفكريّة على سدادها فيفضي بالطّبع إلىحصول الوسط و العلم بالمطلوب كما فطرهاالله عليه. ثمّ من دون هذا الأمر الصّناعيّالّذي هو المنطق مقدّمة أخرى من التّعلّمو هي معرفة الألفاظ و دلالتها على المعانيالذّهنيّة تردها (1) من مشافهة الرّسومبالكتاب و مشافهة اللّسان بالخطاب. فلابدّ أيّها المتعلّم من مجاوزتك هذه الحجبكلها إلى الفكر في مطلوبك. فأوّلا: دلالةالكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة وهي أخفّها (2) ثمّ دلالة الألفاظ المقولةعلى المعاني المطلوبة ثمّ القوانين فيترتيب المعاني للاستدلال في قوالبهاالمعروفة في صناعة المنطق. ثمّ تلكالمعاني مجرّدة في الفكر اشتراطا يقتنصبها المطلوب بالطّبيعة الفكريّةبالتّعرّض لرحمة الله و مواهبه. و ليس كلّأحد يتجاوز هذه المراتب بسرعة و لا يقطعهذه الحجب في التّعليم بسهولة، بل ربّماوقف الذّهن في حجب الألفاظ بالمناقشات أوعثر في اشتراك الأدلّة بشغب الجدال والشّبهات و قعد عن تحصيل المطلوب. و لم يكديتخلّص من تلك الغمرة إلّا قليلا ممّنهداه الله. فإذا ابتليت بمثل ذلك و عرض لكارتباك (3) في فهمك أو تشغيب بالشّبهات فيذهنك فاطرح ذلك و انتبذ حجب الألفاظ وعوائق الشّبهات و اترك الأمر الصّناعيّجملة و أخلص إلى فضاء الفكر الطّبيعيّالّذي فطرت عليه. و سرّح نظرك فيه و فرّغذهنك فيه للغوص على مرامك منه واضعا لهاحيث وضعها أكابر النّظّار قبلك مستعرضاللفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم منرحمته و علّمهم ما لم يكونوا يعلمون. فإذافعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من اللهبالظّفر بمطلوبك و حصل الإمام الوسط الّذيجعله الله من مقتضيات (4) هذا الفكر و نظرهعليه كما قلناه و حينئذ فارجع