تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
فيها كتابه المشهور الّذي صار إماما لكلّما كتب فيها من بعده. ثمّ وضع أبو عليّالفارسيّ و أبو القاسم الزّجّاج كتبامختصرة للمتعلمين يحذون فيها حذو الإمامفي كتابه. ثمّ طال الكلام في هذه الصّناعةو حدث الخلاف بين أهلها في الكوفة و البصرةالمصرين القديمين للعرب. و كثرت الأدلّة والحجاج بينهم و تباينت الطّرق في التّعليمو كثر الاختلاف في إعراب كثير من آي القرآنباختلافهم في تلك القواعد و طال ذلك علىالمتعلّمين. و جاء المتأخّرون بمذاهبهم فيالاختصار فاختصروا كثيرا من ذلك الطّول معاستيعابهم لجميع ما نقل كما فعله ابن مالكفي كتاب التّسهيل و أمثاله أو اقتصارهمعلى المبادئ للمتعلّمين، كما فعلهالزّمخشريّ في المفصّل و ابن الحاجب فيالمقدّمة له. و ربّما نظموا ذلك نظما مثلابن مالك في الأرجوزتين الكبرى و الصّغرىو ابن معطي في الأرجوزة الألفيّة. وبالجملة فالتّآليف في هذا الفنّ أكثر منأن تحصى أو يحاط بها و طرق التّعليم فيهامختلفة فطريقة المتقدّمين مغايرة لطريقةالمتأخّرين. و الكوفيّون و البصريّون والبغداديّون و الأندلسيّون مختلفة طرقهمكذلك. و قد كادت هذه الصّناعة تؤذنبالذّهاب لما رأينا من النّقص في سائرالعلوم و الصّنائع بتناقص العمران و وصلإلينا بالمغرب لهذه العصور ديوان من مصرمنسوب إلى جمال الدّين بن هشام من علمائهااستوفى فيه أحكام الإعراب مجملة و مفصّلة.و تكلّم على الحروف و المفردات و الجمل وحذف ما في الصّناعة من المتكرّر في أكثرأبوابها و سمّاه بالمغني في الإعراب. وأشار إلى نكت إعراب القرآن كلّها و ضبطهابأبواب و فصول و قواعد انتظم سائرهافوقفنا منه على علم جمّ يشهد بعلوّ قدره فيهذه الصّناعة و وفور بضاعته منها و كأنّهينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الّذيناقتفوا أثر ابن جنّيّ و اتّبعوا مصطلحتعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دالّ علىقوّة ملكته و اطّلاعه. و الله يزيد فيالخلق ما يشاء