تاریخ ابن خلدون جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
حصلوا على رتبة في لسان العرب و هم أبعدالنّاس عنه. و أهل صناعة العربيّةبالأندلس و معلّموها أقرب إلى تحصيل هذهالملكة و تعليمها من سواهم لقيامهم فيهاعلى شواهد العرب و أمثالهم و التّفقّه فيالكثير من التّراكيب في مجالس تعليمهمفيسبق إلى المبتدئ كثير من الملكة أثناءالتّعليم فتنقطع (1) النّفس لها و تستعدّإلى تحصيلها و قبولها. و أمّا من سواهم منأهل المغرب و إفريقية و غيرهم فأجرواصناعة العربيّة مجرى العلوم بحثا و قطعواالنّظر عن التّفقّه في تراكيب كلام العربإلّا إن أعربوا شاهدا أو رجّحوا مذهبا (2)من جهة الاقتضاء الذّهنيّ لا من جهة محاملاللّسان و تراكيبه. فأصبحت صناعة العربيّةكأنّها من جملة قوانين المنطق العقليّة أوالجدل و بعدت عن مناحي اللّسان و ملكته وأفاد ذلك حملتها في هذه الأمصار و آفاقهاالبعد عن الملكة بالكليّة، و كأنّهم لاينظرون في كلام العرب. و ما ذلك إلّالعدولهم عن البحث في شواهد اللّسان وتراكيبه و تمييز أساليبه و غفلتهم عنالمران في ذلك للمتعلّم فهو أحسن ما تفيدهالملكة في اللّسان. و تلك القوانين إنّماهي وسائل للتّعليم لكنّهم أجروها على غيرما قصد بها و أصاروها علما بحتا و بعدوا عنثمرتها. و تعلم ممّا قرّرناه في هذا البابأنّ حصول ملكة اللّسان العربيّ إنّما هوبكثرة الحفظ من كلام العرب حتّى يرتسم فيخياله المنوال الّذي نسجوا عليه تراكيبهمفينسج هو عليه و يتنزّل بذلك منزلة من نشأمعهم و خالط عباراتهم في كلامهم حتّى حصلتله الملكة المستقرّة في العبارة عنالمقاصد على نحو كلامهم. و الله مقدّرالأمور كلّها و الله أعلم بالغيب.