والجواب عنه واضح، فانّالأوامر الاختبارية على قسمين: قسم تتعلّق الإرادة فيه بنفس المقدّمة و إن كان نفس الفعل غير مراد. كما في الأمر بذبح إسماعيل، فانّ المقصود هوتزكية إبراهيم بهذا العمل حيث يؤثر رضا ربِّه على عواطفه النفسانية، وهو يحصل بالتهيّؤ للعمل، بالإتيان بالمقدّمات. ولذلك لمّا أتى بها إبراهيم، أوحى الله إليه: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا). (1) وقسم تتعلق الإرادة فيه بنفس الإنشاء، دون المقدّمة و ذيها كما في أمر الوالد، ولده بالأمر، حتى يجرّبه هل هو يستطيع للأمر أو لا. وفي كلا القسمين لاينفكّ الطلب عن الإرادة. الثاني: أنّالعصاة والكفّار مكلّفون بما كلّف به أهل الطاعة والإيمان. وتكليفهم لا يكون ناشئاً من إرادة الله سبحانه، وإلاّ لزم تفكيك إرادته عن مراده، فلابدّ أن يكون هناك مبدأ آخر للتكليف وهو الطلب . وهذا يدلّعلى تغاير الإرادة والطلب أوّلاً، ووجود صفة أُخرى في ذاته غير الإرادة. وحاصل الاستدلال: أنّ الأمر في مورد العصاة والكفّار لا يخلو من حالتين: 1ـ إمّا أن تكون هناك إرادة من الله بالنسبة إليهما. 2ـ أو لا تكون إرادة منه إليهما. فعلى الأوّل يكون هؤلاء مكلّفين لكن يلزم تفكيك المراد من الإرادة، بشهادة المخالفة. و على الثاني، يلزم عدم كونهم مكلّفين، فلا يصحّ العقاب. وأجاب عنه المعتزلة بأنّ إرادته سبحانه إنّما لا تنفك لو تعلّقت بفعل نفسه، قال سبحانه: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (2) لا ما إذا تعلّقت بفعل الغير المطلوب منه، صدوره عنه عن حرّية واختيار، فلا محالة يكون الفعل