1ـ الكلام في تفسير حقيقة الوجوب والندب
لا شكّ أنّ الوجوب والندب من أقسام البعث الإنشائي، وإنّما الكلام فيما يحصل به امتياز أحدهما عن الآخر. قيل فيه وجوه:
1ـ إنّهما مشتركان في البعث الإنشائي غير أنّالوجوب يتميّز عن الندب، بأنّه البعث المنضمّ إليه المنع من الترك، فيكون الندب هو البعث لا معه.
يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصحّ لو كان المتبادر من الوجوب و الندب أمراً مركّباً مثل ما ذكر، و لكنّه ليس كذلك، بل المتبادر منهما أمر بسيط و هو الحتمية في الأوّل و عدمها في الثاني و إنّما يصل إلى التركيب، العقل بالتعمل و التحليل الفلسفي مع أنّا نراهما متمايزين قبل التحليل،فلابدّ أن يكون ملاك الميز أمراً قبل ذاك التحليل. و سيوافيك بيانه في القول الثالث.
2ـ الوجوب هو الطلب الموجب لاستحقاق العقوبة عند مخالفته. فالاستحقاق فصل يميّز الوجوب عن الندب. و الاستحباب هو الطلب غير الموجب له.
يلاحظ عليه: أنّ استحقاق العقوبة و عدمه من آثارهما بعد تحقّقهما، و الكلام في مقوّماتها، و المقوّم يجب أن يكون مقارناً لا متأخّراً.
3ـ الظاهر أنّ الوجوب والندب يتميزان ثبوتاً و إثباتاً بوجه.
أمّا الثبوت فانّ الوجوب هو البعث المسبوق بالإرادة الشديدة بحيث لا يرضى الآمر بترك المبعوث إليه، و الندب هو البعث المسبوق بإرادة غير شديدة بحيث يرضى الآمر بترك المبعوث إليه. و شدّة الإرادة و ضعفها يتبعان مصالح و غايات، لازمها وجوب الاستيفاء أو عدمه.
و إن شئت قلت: البعث الإنشائي فعل اختياري للنفس، فلابدّ في تحقّقه