المقام الثاني: ما يمتنع تقييده، يمتنع إطلاقه
إلى هنا تبيّن بطلان المقدّمة الأُولى، و أمّا المقدمة الثانية أعني:أنّ ما يمتنع تقييده يمتنع إطلاقه فيقرّر بأنّ الإطلاق فرع التقييد، فإذا لم يمكن للمولى تقييد الكلام بقيد، فكيف يمكن أن يقال إنّ سكوته دليل على عدم دخالة القيد؟
وبعبارة أُخرى: أنّ من مقدّمات الحكمة كون المتكلّم في مقام بيان كلّ ما له مدخلية في غرضه، فإذا كان أخذ القيد في متعلّق التكليف ممكناً، لكان سكوته دليلاً على العدم، بخلاف ما إذا كان غير ممكن فلا يعدّ سكوته دليلاً عليه لاحتمال أنّ عدم أخذه لأجل عدم قدرته عليه.
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره من المقدّمة الثانية لا غبار عليها، لكن كون المقام من صغرياتها، غير تام حتّى و لو قلنا بامتناع أخذ قصد الأمر في متعلّق الأمر، لأنّ حاصل الأدلّة السابقة، هو امتناع أخذه فيه بصورة الجزئية أو الشرطية، و لكن يمكن تقييد المأمور به بوجهين آخرين، لم يدلّ دليل على امتناع أخذه فيه بهذين النحوين.
الأوّل: أخذ ما يلازم قصد الأمر في متعلّق الأمر، كأن يقول: «أقم الصلاة لا بداع نفساني» فانّ كلّعمل يصدر من المكلّف ، لا يخلو عن أحد داعيين: إمّا يصدر بداع إلهي، أو داع نفساني، فالإتيان بالعمل لا بداع نفساني لا ينفكّ عن الإتيان به بداع إلهي. فقد توصل المولى إلى غرضه بالنهي عن ضدّه. و هذا الوجه إنّما يفيد إذا كان الداعيان من قبيل الضدّين اللذين لا ثالث لهما.
الثاني: التوصل إلى غرضه بالجملة الخبرية كأن يقول: «أقم الصلاة، و أنّ الغرض لا يحصل من الصلاة إلاّ بالإتيان بها بداعي أمرها» أو ما أشبه ذلك.
فإذا كان الكلام خالياً عن هذه التوضيحات ، و كان قصد الأمر من الأُمور الخفية التي لا تتوجّه إليها العقول العادية يكون سكوت المولى، دليلاً على توصليّة