وأمّا إذا كانت المقدّمة عنده هي الأجزاء بالأسر فليست هنا مغايرة و لا توقف فإنّ الأجزاء بالأسر، بمعنى برمّتها و جميعها هي نفس الكل، فيكون الأمران كلاهما منتفيين.
والعجب أنّه ـ دام ظلّه ـ عندما أراد سلب صدق إطلاق المقدّمة بالمعنى الأوّل، جعل المقدمة نفس الأجزاء وعندما أراد إثبات إطلاق المقدمة بالمعنى الثاني، جعل المقدمة نفس الجزء، حتّى مثّل بالواحد بالنسبة إلى الاثنين.
إلى هنا تبيـّن صحّة الإطلاق المقدّمة على الجزء بلا إشكال.
المقام الثاني
إذا صحّ وصفُ الأجزاء بالمقدّمية، فهل هناك ملاك لاتصافها بالوجوب المقدّمي ، أو لا؟
ذهب صاحب الكفاية ـ في هامش كتابه ـ إلى عدم وجود ملاك مقتض لاتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري، قال: إنّه لا يكون فيه(الجزء) أيضاً ملاك الوجوب الغيري، حيث إنّه لا وجود له غير وجوده في ضمن الكلّ حتّى يتوقف على وجوده، وبدونه لا وجه لكونه مقدّمة كي يجب بوجوبه أصلاً.(1)
ولكنّه ضعيف، لما عرفت من أنّ المقدّمة هي نفس الجزء لا الأجزاء بالأسر، وهي غير الكلّوجوداً. ويوضح ذلك قياس الإرادة الآمرية بالإرادة الفاعلية، فكما أنّه ـ في الإرادة الفاعلية ـ إذا أراد الإنسان بناء بيت أو أيّ مصنوع مركّب من أجزاء، تتعلّق إرادته بالإتيان بكلّ جزء مستقلاً، فهكذا الحال في الإرادة الآمرية، فانّ إرادته الغيرية صالحة (2) لأن تتعلّق بالإتيان بكلّ جزء جزء يتوقّف عليه
(1) كفاية الأُصول:1/141، الهامش.(2) قلنا صالحة و لم نقل تتعلق بالفعل لما سيوافيك من عدم الحاجة إلى الإرادة الغيريّة.