وأمّا الطلب فلا مانع في تصوير فرد إنشائي له و ذلك للفرق الواضح بين الإرادة والطلب فانّالأولى اسم لأمر جانحيّ مغمور في النفس فلا يصلح لأن يجعل له مثال و هذا بخلاف الطلب فإنّه اسم لعمل خارجي فبما أنّه من الأُمور الجوارحية لا الجوانحية كما هو الظاهر من استعمالاته، (في مثل قولك:«طلبت زيداً فما وجدته»، «طلبت ضالتي» أو «طالبته» أو «أُطلب لي من فلان شيئاً)» فيصحّ جعل مثال اعتباري له في مقام المحاورة، وجعل فرد اعتباري في مقابل الفرد الخارجي فكانَ أمر المولى، بمنزلة طلبه بيده ورجله و سعيه وراء حاجته. مثلاً: الإنسان قد يطلب خروج زيد من بيته فتارة يقوم به بالتكوين فيخرجه بيده و أُخرى ينشيء مثالاً للطلب الخارجي في عالم الاعتبار، فتكون الإشارة باليد أو الحاجب، أو الكتابة أوالتلفّظ بالأمر، قائمة مقام الطلب التكويني. و بذلك يتضح أنّ الإرادة الإنشائية لا واقعية لها. وأمّا الطلب فله وجود تكويني ووجود إنشائي. ومعه كيف يمكن أن يقال إنّهما متّحدان في مقام الإنشاء. مع أنّه ليس للإرادة إلاّفرد تكويني فقط. وأمّا المرحلة الثالثة: أي عدم اتّحادهما مصداقاً فقد اتضح ممّا قلناه من أنّ الطلب من الأُمور القائمة بالجوارح، والإرادة من الأُمور القائمة بالجوانح، فظرف وجودهما مختلفة، فلا وجه للاتّحاد. وبذلك تبيّن أنّ الحقّ مغايرة الطلب للإرادة ، ولكن المغايرة ليست بمعنى تصحيح مقالة الأشعري من القول بالكلام النفسي، بل الكلام النفسي باطل، و إن كانت المغايرة بين الإرادة و الطلب، صحيحة على ما عرفت. أضف إلى ذلك: أنّ إرجاع النزاع القائم على قدم و سابق، طوال قرون، إلى النزاع اللفظي من أعجب العجائب، كيف و فيهم المفكّرون الواقفون على أنّ الطلب الإنشائي غير الإرادة الحقيقية النفسانية.