إكمال البحث ببيان مذهب أهل الحقّ، فنقول: لا شكّ أنّ الكلام هو المؤلَّف من الألفاظ، الصادر عن المتكلّم، القائم به، الحاصل من تموّج الهواء واهتزازه، بحيث إذا زال التموّج، زال الكلام. لكن الإنسان الاجتماعي توسع في إطلاقه، فأطلق الكلام على الخطبة المنقولةوالشعر المروي عن شخص، فيقول إنّه كلام علي ـ عليه السَّلام ـ و إنّه شعر «لبيد» ، مع أنّ كلامه الحقيقي زال مع زوال التموّج والاهتزاز، و ما هذا إلاّ من باب التوسّع في الإطلاق و مشاهدة ترتّب أثر الكلام الواقعي على المنقول الثاني، و يكفي ذلك في التوسّع. ثمّ لمّا كان الأثر الحقيقي للكلام هو إنباؤه عن ما يقوم في ذهن المتكلّم من الأسرار والمعاني، فلوترتّب ذاك الأثر على غير الكلام ، صحّ إطلاق الكلام عليه حقيقة. مثلاً انّ المعلول، من حيث إنّه يكشف عن كمال علّته و قدرتها وعلمها، فهو كلام، كاشف عمّا في العلة من القدرة و الكمال، غير أنّ دلالة الألفاظ على المراد اعتبارية، ودلالة المعلول على ما عليه العلة من الكمال تكوينية. إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ وصفه سبحانه بالكلام يقع في مرحلتين: الأُولى: إذا أراد سبحانه أن يكلّم شخصاً من أنبيائه، كما في قوله سبحانه: (وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكليماً)(1) فطريقة ما أشار إليه سبحانه في آخر سورة الشورى بقوله: (وَ ما كانَلِبَشَر أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْمِنْ وَراءِ حِجاب أَوْ يُرسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِما يَشاءُإِنَّهُ علِيٌّ حَكِيمٌ).(2) والوحي هو الصوت الخفي الذي يسمعه الموحى إليه ولا يسمعه غيره. والمراد من (وراء حجاب)ما إذا سمع الكلام مع عدم رؤية المتكلّم كتكلّمه سبحانه مع موسى في الطور، والمراد من الثالث إرسال الملك إلى الناس أو انباء الرسول الناس.