أنّ الأحكام الواقعية مضروبة على جميع الناس، من دون تفاوت بين العالم والجاهل، و لكن الله سبحانه و تعالى، تسهيلاً للأمر على العباد، اكتفى في امتثال أوامره و نواهيه بأخبار الثقات لأنّه يراها مطابقة للواقع بنسبة عالية، ـ تسعين بالمائة مثلاً ـ و متخلفة عنه عشرة بالمائة ، فأوجبت المصلحة التسهيلية رفع اليد عن هذا العدد النادر من موارد التخلّف، لما في إلزام العبد بتحصيل العلم و ترك العمل بأخبار الثقة من مفسدة العسر والحرج. فإن قلت: إنّلسان الأمارة، لسان الطريقية، فلا أثر لها سوى إراءة الواقع من دون أن تمسّ كرامته وتغيّر شيئاًفيه. و المفروض عدم إيصالها إلى الواقع. فلازم الاشتغال القطعي لزوم الإتيان بالواقع. قلت: هذا صحيح، ولازمه ترتيب الأثر على الحجّة الثانية المبطلة للأمارة الأُولى، لولا الملازمة العرفية التي ذكرناها و مقتضاها أنّالمولى سبحانه اكتفى في مقام الامتثال بما أدّت إليه الأمارة. فإن قلت: إنّ لسان الأمارة، لسان الأخبار، لا الجعل و المواضعة، فهي حينئذ تقبل الصدق والكذب، بخلاف لسان الأُصول، فانّه لسان جعل الشرط والجزء. وعلى ضوء ذلك يكون الواقع باقياً بحاله. قلت: هذا صحيح، لولا الدليل الحاكم باكتفاء المولى في مقام الامتثال، بما أدّت إليه الأمارة. وبذلك يظهر عدم تمامية ما أورده سيّدنا الأُستاذ على القائل بالإجزاء بأنّ لازم ذلك، التناقض ببيان أنّ لازم إيجاب العمل على طبق الأمارة بما أنّها كاشفة، هو عدم الإجزاء، لأنّ لازم الكشف كون الواقع هو الميزان دون مؤدّى الأمارة ، وهو يناقض القول بالإجزاء الذي مقتضاه كون المحور مؤدّى الأمارة.(1)