لغوية الوضع أوّلاً، و لغوية تعلّم اللغة ثانياً، ولو تفوّه بذلك فإنّما يريد شيئاً آخر، و هو وجود رابطة خيالية بين اللفظ والمعنى، وإلاّ يلزم الترجيح بلا مرجّح، فإنّجعل لفظ في مقابل المعنى، أو استعماله بداعي الوضع أو تعيّنه لأجل كثرة الاستعمال، عمل اختياري صادر من الإنسان العامل الذي لا يرجّح أحد الطرفين إلاّ بمرجّح فالقول بوجود مرجّح في اختيار لفظ على آخر ليس ببعيد لو لم يكن متعيّناً، نعم المناسبة الداعية لاختيار اللفظ ليس مناسبة خارجية لأنّها على فرض الصحّة قائمة بطبيعي اللفظ و المعنى و هما غير موجودين. وأمّا بيان تلك المناسبة فهي ظاهرة في أسماء الحيوانات أوّلاً و أسماء الأصوات ثانياً و أمّا في غيرهما فغير واضحة وإن كانت موجودة فنقول: إنّ الغالب في الحيوان إمّا عرض المعنى بنفسه على المخاطب كتناول أُمّالحيوان الصغيرالحبَّة بمنقارها و تكرار ذلك أمام ولده إذا أرادت إفهامه أن يأكل. أو بالإشارة إلى المعنى، بالذنب أو اليد أو بالتصويت كما تفعل الهرّة لإفهام جوعها، أو طلب ولدها أو يفعل الهرّ عند طلبه الأُنثى من جنسه أو بغير ذلك من المواهب المودعة من الله تعالى في الحيوانات. وأمّا الإنسان فقد حباه الله المنطق و البيان فيعبّر به عمّا يجول في ضميره لكن كيف يستخدم الألفاظ لإظهار ما في الضمير؟ هل بالوضع التعييني أو لا ؟ الظاهر لا، فإنّ التتبّع، يكشف عن أنّه كان يستند في تسمية الحيوانات إلى أصواتها، كالهدهد والبوم و الحمام و العصفور والهرّة، كما يستند في حكاية الأفعال والحركات إلى أصواتها أيضاً، كالدق و الدك والشق و الكسر، و الصرير والدوي و النهيق. و لأجل ذلك يمكن أن يقال: إنّكلّإنسان بما هو مفطور على إظهار مافي ضميره، كان ينتخب لإبراز ما في ضميره ألفاظاً يرى مناسبة خيالية أو وهمية بينها و بين معانيها، كالمشابهة في الشكل والهيئة و غير ذلك من المناسبات. فها هو