موسوعة من حیاة المستبصرین جلد 3
لطفا منتظر باشید ...
أنساني أهلي وعشيرتي، وأحسست بأني لو بقيت معه شهراً واحداً لتشيعت لحسن أخلاقه وتواضعه وكرم معاملته، فلم أنظر إليه إلاّ وابتسم في وجهي وابتدرني بالكلام، وسألني هل ينقصني شيء، فكنت لا اغادره طيلة الأيام الأربعة إلاّ للنّوم، رغم كثرة زوّاره والعلماء الوافدين عليه من كل الأقطار، فقد رأيت السعوديين هناك ولم أكن أتصور بأنّ في الحجاز شيعة، وكذلك علماء من البحرين ومن قطر ومن الامارات ومن لبنان وسوريا وإيران وافغانستان ومن تركيا ومن افريقيا السوداء، وكان السيد يتكلم معهم ويقضي حوائجهم ولا يخرجون من عنده إلاّ وهم فرحون مسرورون، ولا يفوتني أن أذكر هنا قضية حضرتها وأعجبت في كيفية فصلها، وأذكرها للتاريخ لما لها من أهميّة بالغة حتى يعرف المسلمون ماذا خسروا بتركهم حكم الله.جاء إلى السيد أربعة رجال أظنّهم عراقيين عرفت ذلك من لهجتهم، كان أحدهم ورث مسكناً من جدّه الذي توفي منذ سنوات وباع ذلك المسكن إلى شخص ثان كان هو الآخر حاضراً، وبعد سنة من تاريخ البيع جاء أخوان، وأثبتا انهما وارثان شرعيان للميّت، وجلس أربعتهم أمام السيد وأخرج كل واحد منهم أوراقه وما عنده من حجج وبعدما قرأ السيد كل أوراقهم وتحدّث معهم لبضع دقائق حكم بينهم بالعدل، فاعطى الشاري حقه في التصرّف بالمسكن وطلب من البائع أن يدفع للأخوين نصيبهما من الثمن المقبوض، وقام الجميع يقبلون يده، ويتعانقون، ودهشت لهذا ولم أصدق وسألت ـ صاحبي العراقي ـ أبا شبّر، هل انتهت القضية؟ قال: (خلاص كلّ أخذ حقّه)، سبحان الله! بهذه السهولة، وبهذا الوقت الوجيز، بضع دقائق كافية لحسم النزاع؟! إن مثل هذه القضية في بلادنا تستغرق عشر سنوات على أقل تقدير ويموت بعضهم، ويواصل أولاده بعده تتبع القضية ويصرفون لرسوم المحكمة والمحامين ما يكلفهم في أغلب الأحيان ثمن