المنتفعون من الفتنة
يوضّح الكاتب هنا مَن هو المستفيد من ضلال القوم بصورة أوضح مع إيراد امثلة وشواهد، فيقول:
"كما بدأت الفتنة ـ في القرن السادس الهجري ـ بالمكر، مضت على طبيعتها إلى اليوم تعتمد المكر، ولعل من فروق الفتنة بين أمسها وحاضرها، أن زارعها فرد، ورُعاتها اليوم كثُر (الأمير ومتمشيخوه).
لهذا كان وما زال التصنع، والتلفيق، والخرافة، والزيف هي السائدة في ظلمات هذا الضياع، فالمتمشيخون ولطمر الحقيقة الدينية للقوم، ولملأ الفراغ الحاصل، عمدوا منذ ذلك الوقت إلى صناعة بدائل روحية، أو التقاطها من عقائد أخرى، لترقيع المتطلبات الروحية التي فقدها القوم باستمرار على مدى ثمانية قرون أو أكثر. فلو راجعنا (وهذا فرض) كتابين يسمع بهما اليزيدي ولم يقرأهما هما الجلوة ورَش، لَعُرِف القصد من البدائل المزيفة، وبالأحرى التلفيق الأموي، والمكر.
ومن المكر أيضاً، ترويجهم بين البسطاء، الخوف من الوهم، أو الخرافة، أو الخوف من بيراجنوكي، وهي العجوز التي تخنق كل من يستحم، وكل خيّاط في الأربعاء.
وتلك المصطنعات لم تكن لتجد موقعاً في العقول ما لم يمهِّد له من قبل تحريم متمشيخي الأمراء للتعليم، وإلاّ من أين السبيل لاستبعاد عقول القوم باسم السماء، أو فرض سلطتهم عليهم بوجود الثقافة والعلم.
وسياسية التجهيل لها علاقة مباشرة مع مصالح الأمراء والمتمشيخين، وهنالك أمثلة كثيرة تعبر عن انتهازيتهم للجهل، الجهل الذي فرضوه علينا والمحمول على هالة تقديس مصطنعة، والقصة التي يذكرها أهل خوشابا مثالا