السياسة أوجدت المذاهب
إنّ السياسة وأوامر السلاطين هي التي منحت الحياة للمذاهب الأربعة وأماتت المذاهب الاخرى، ولولا ذلك لكانت المذاهب الاخرى موجودة أيضاً يتعبد بها الناس ولا يرضون عنها بدلا. فالناس وجدوا هذه المذاهب مرضياً عنها فقلدوها والناس على دين ملوكهم كما قيل، وليس في هذا دليل على وجوب اتّباعها.يقول المقريزي: "استمرت ولاية القضاة الأربعة من سنة 566 هـ. حتى لم يبقَ في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب الإسلام غير هذه الأربعة، وعُودِيَ من تمذهب بغيرها، وافتى فقهاؤهم في هذه الأمصار بوجوب إتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها، والعمل على هذا إلى اليوم، وأعلن الظاهر بيبرس سد باب الاجتهاد، وما زال أمر بيبرس نافذاً بالرغم من زوال ملكه"(1).ومن هنا، نخلص إلى القول بأنّ هذا المنهج ليس هو المنظومة الإلهية التي يريد الله لنا أن نتبعها، لكثرة الثغرات والجوانب السلبية فيها.يقول الزمخشري المفسّر المعروف:إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به | وأكتمه كتمانه لي أسلمُ |
فان حنفياً قلتُ قالوا بأنّه | يبيحُ الطلا وهو الشرابُ المحرّمُ |
وإن مالكياً قلتُ قالوا بأنَّني | ابيح لهم أكل الكلاب وهم هُم |
وإن شافعياً قلتُ قالوا بأنَّني | ابيح نكاح البنت والبنت تحرمُ |
وإن حنبلياً قلت قالوا بأنّني | ثقيل حلولي بغيض مجسِّمُ(2) |
1- الخطط المقريزية: 2 / 333.2- ترجمة الزمخشري، المطبوعة بالجزء الأخير من الكشاف: 2 / 498.