الثالث: ما هو واجبٌ على الرعيّة، وهو أن ينصروه ويطيعوه، ويذبّوا عنه ويقبلوا أوامره، وهذا ما لم يفعله أكثر الرعيّة.فمجموع هذه الأمور هو السبب التامُّ للطفيّة، وعدم السبب التامّ ليس من الله ولا من الإمام لما قلناه، فيكون من الرعيّة.إن قلت: إنّ الله تعالى قادرٌ على أن يُكَثِّرَ أولياءَه ويحملهم على طاعته، ويقلّلَ أعداءه ويقهرهم على طاعته، فحيث لم يفعل كان مُخِلاًَّ بالواجب.قلتُ: لمّا كان فعلُ ذلك مؤدّياً إلى الجبر المنافي للتكليف لم يفعله تعالى، فقد ظهر أنّ نفس وجود الإمام لطفٌ وتصرُّفه لطفٌ آخر، وعدم الثاني(1) لا يلزم منه عدم الأوّل(2). فتكون الإمامة لطفاً مطلقاً، وهو المطلوب"(3).
العصمة أم الشروط الأربعة عشر؟
ترى الإماميةُ الإثنا عشرية ـ بناءاً على قولها باللطف الإلهّي المطلق ـ أنَّ الإمامَ لابُدَّ أن يكون معصوماً، وأنّ منصب الإمامة منصبٌ لا يستحقه إلاّ المعصوم.يقول الشيخ المفيد(4) في "أوائل المقالات"(5): "واتَّفَقَتْ الإماميّةُ على أنّ1- وهو تصرّف الإمام "انبساط يده وظهوره".2- وهو أن وجوده ـ بحد ذاته ـ لطفٌ.3- إرشاد الطالبين: 328 ـ 332.4- محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي الكَرْخي (336 أو 338 ـ 413هـ) الشيخ المفيد، ابن المعلّم، عالم الشيعة، صاحب التصانيف الكثيرة، شيخ مشائخ الطائفة الإمامية الاثني عشرية، لسان الإمامية، رئيس الكلام والفقه، كان يناظر أهل كلّ عقيدة، كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، له أكثر من مائتي مصنّف، كانت جنازته مشهودة، وشيّعه ثمانون ألفاً. انظر: حياة الشيخ المفيد ومصنّفاته، أعيان الشيعة: 9 / 420، سير أعلام النبلاء: 17 / 344، تاريخ الإسلام: (حوادث 411 ـ 420هـ: 332) الأعلام: 7 / 21، معجم رجال الحديث: 18 / 213.5- "أوائل المقالات في المذاهب المختارات" للشيخ المفيد، كتاب يشتمل على "الفرق بين الشيعة والمعتزلة وفصل ما بين العدلية من الشيعة ومن ذهب إلى العدل من المعتزلة والفرق ما بينهم من بعد وبين الإمامية فيما اتفقوا عليه من خلافهم فيه من الأصول، وذكر ـ في أصل ذلك ـ ما اجتباه هو من المذاهب المتفرعة عن اصول التوحيد والعدل والقول في اللطيف من الكلام...".وقد طبع هذا الكتاب عدة طبعات، وهو من أجود الكتب في بابه.