الهموم إلا همّ واحد; هو اكتشاف الحقيقة.شرعت في القراءة، وكأن الشيخ سليم البشري يجادل عنّي، ويطرح أسئلتي; بل يطرح ما هو أشمل وأعمق منها فيرد عليه السيد شرف الدين الموسوي بثقة العارف ويقين المؤمن، وأنا بين هذا وذاك تقذفني موجة من شك إلى أخرى من يقين ثم يحدث العكس، ويخامرني الشك حول الشيخ البشري وبساطة تعاطيه مع مناظره إذ يتنازل دون تردد عن موقفه كلما واجهه الآخر بالحجج والأدلة، وكأني وددت لو أنه يماري قليلا أو يبدي إصراراً على رأيه!! فأراجع نفسي وأقول ماذا يضير الرجل إن كان موضوعياً ومخلصاً للحقيقة؟ فهو بذاك إلى القوة أقرب منه الضعف، إذ لا يجد حرجاً في الاعتراف للطرف الآخر بقوة الحجة وسلامة الموقف وصحة المعتقد حتى ولو كان في ذلك اعتراف بالعكس.كنت أطوي الصفحات طيا، في شبه ذهول عن الوقت وما يجري من حولي، وعندما كان وقت صلاة العصر كنت قد بلغت من الكتاب مداه وقلبت آخر صفحاته. ولقد قرأت من قبله الكثير، وتأثرت ببعض ما قرأت حتى اتخذته مرجعاً لحركتي وسكوني، بيد أن (المراجعات) كان شيئاً آخر! وساعات من نهار قضيتها متنقلاً بين صفحاته أجبرتني على العودة من أول الطريق، أرغمتني على وضع كل الماضي وكل الموروث على صدر علامة استفهام كبيرة!!