مالك كانت من الفضل وحسن التوجيه بحيث استطاعت أن تثنيه عن ذلك، وأن توجهه إلى تعلم الفقه على ما مر بنا تفصيلا في صدر هذه الدراسة.فما هو حديث الغناء إذن؟ ولماذا نعود لإثارته بل وتحديد عنوان للحديث عنه؟إن أبا الفرج الأصبهاني يذكر في "الأغاني" هذا الخبر الذي يقول: "أخبرني محمد بن عمرو العباسي القرشي، قال: حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان ولم أسمعه أنا من محمد بن خلف، قال: حدّثني إسحاق بن محمد بن أبان الكوفي، قال: حدثني حسين بن دحمان الأشقر قال: كنت بالمدينة فخلا لي الطريق وسط النهار فجعلت أتغنى:
| ما بالُ أَهْلُكِ يا رَبابْ | خُزُراً كأنهمُ غِضَابْ |
قال: فإذا خوخة قد فتحت، وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء فقال: يا فاسق أسأت التأدية، ومنعت القائلة، وأذعت الفاحشة، ثم اندفع يغنيه فظننت أن طويساً قد نشر يغنيه، فقلت له: أصلحك الله، من أين لك هذا الغناء؟ فقال: نشأت وأنا غلام حدث اتّبع المغنين وآخذ عنهم، فقالت لي أمي: يا بني إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يلتفت إلى غنائه، فدع الغناء واطلب الفقه، فإنه لا يضر معه قبح الوجه، فتركت المغنيين واتبعت الفقهاء، فبلغ الله بي عزّوجلّ ماترى، فقلت له: أعد جعلت فداك. قال: لا ولا كرامة، أتريد أن تقول أخذت عن مالك بن أنس، وإذا هو مالك بن أنس ولا اعلم"(1).وحاول الدكتور الشكعة تكذيب الرواية مع اعترافه بأن مالك استهوى في الغناء منذ صغره، وانه أراد أن يسلك سلوك المغنين، وهذا لا تليق برجل عادي، فكيف بإمام مذهب يفرض على المسلمين لذلك، حاولت أن أتعرف على مذهب
1- الأغاني: 4 / 39، 40 دي ساسي. كما نقله الدكتور الشكعة في ص59.