شرح نهج البلاغه نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و من لم يبالك فهو عدوك: اى من جعل عادته كشف قناعك و اشاعه معايبك كلها فى كل حال و ان وصفها لك فهو عدولك.الافن: بسكون الفاء النقص و بفتحها ضعف الراى، فانظر: يعنى البصيره فى هذه الوصيه تغنك عن جميع حكم الحكماء و نتف العلماء ان كنت ممن قد ايد بحدس صايب و ذهن ثاقب، و الله عز اسمه المسوول ان يوافقنا لنقبل آثارها و الاستضائه بانوارها انه ولى الطول و الامتنان و المتفضل بالاحسان، و اذ قد جرى ذكر الدنيا فيها كثيرا و القدح فيها و النهى عن الاغترار بها، فلنورد من بعد فصلا فى امثله الدنيا و اهليها على ما اورده صاحب المعارج.قال بعض العلماء اصول الدنيا ثلاثه اشياء: الطعام و اللباس و المسكن، و اصول الصناعات و الحرف ثلاثه: الزراع و الدهقان فان منهما اصول الطعام و اللباس، و الحائك و البناء، و لهذه الحرف توابع و لوازم كالحلاج و الغزال و القصار و الخياط للباس، و لكل واحد من هولاء احتياج الى الالات من الحديد، و الخشب، و الجلود المدبوغه، و هكذا فى سائر الحرف و تعلق بعضها ببعض.فاحتاج الناس الى معاونه بعضهم بعضا فان كل واحد منهم لا يمكنه القيام بجميع مصالحه، فالحائك يحيك للخياط، و الخياط يخيط للحائك و الدهقان يزرع القطن لهما، و هما يعينان الذهقان بالنسج و الخياطه و امثال ذلك، فظهرت المعامله التى هى تلو المعاونه بين ال
ناس، و لزمت هذه المعاملات الخصومات، و لزمت الخصومات المعاداه و المقاتله.فاحتاج اصحاب الصنايع و الحرف، الى سلطان سايس يسوسهم، و حاكم عالم عادل يحكم بينهم بالعلم و الشرع الحق، فنسى بعضهم الناس نفسه و عاقبته بين هذه المشاغل و التوابع العلائق، و ما عرف ان المقصود من جميع هذه الصنايع، و الحرف، و الوالى، و القاضى ثلاثه اشياء و هى اطعام و اللباس و المسكن.و المقصود من هذه الاشياء تقويه البدن و سلامته، و المقصود من سلامه البدن تزكيه القلب، و المقصود من تزكيه القلب السعاده الكبرى الموعوده فى الاخره، فنسى ذاته و سعادته و مثاله كمثل مسافر قصد بيت الله الحرام فنسى نفسه و مقصده و ضيع فى الطريق عمره فى تربيه الجمل و رعيه، و امثال ذلك، و خسر الدنيا و الاخره، و كان ممن قال الله تعالى (نسوا الله فانساهم انفسهم) و مثال الدنيا مثال الظل يحسبه راكدا ثابتا، و هو زائل، و لكن يزول قليلا قليلا لا دفعه.لا بل مثالها مثال عجوز شوها ملثمه قد زينت ظاهرها بالحلى و الحلل، و الطيب، و اذا حسرت لثامها كانت ممن يتعوذ الناس من شرها، و مثال اصحاب الدنيا امثال المسافرين، لهم مقصد واحد، و كلهم فى الطريق، بقى لبعضهم منزل، و لبعضهم فرسخ و لبعضهم
ميل، كذلك بقى من اعمار بعض اهل الدنيا سنه و من اعمار بعضهم شهر، و من اعمار بعضهم يوم، على هذا القياس.مثال طالب الدنيا كمثال شارب ماء البحر لا يروى الشارب بل يزداد كل ساعه عطشه و لا ينقطع ماء البحر، و هو يشرب حتى يهلك، و مثال صاحب الدنيا كمثال ضيف دخل دار مضيف، فناول شربه من الجلاب فى اناء ثمين، فظن ان الاناء ملك له و انه يخرج من دار المضيف مع ذلك الاناء، فقيل له اخرج كما دخلت، فحظك ما شربت فحسب، و لذلك قال النبى صلى الله عليه و آله: ليس من مالك الا ما اكلت او شربت او لبست الى تمام الخبر.هلك اكثر الناس بسبب طلب الجاه، و الحشمه، و الثناء، و بهذه الاسباب وقعت العداوه بين الناس، و ارتكبوا المعاصى، و استولى على القلوب ضد النفاق، و الخيانه، و العلم بالاشياء الفانيه غير معتبر، و من ذلك العلم باللغات خصوصا العلم بلغه العرب فان الغرض منه الوصول الى الكتاب و السنه، و الغرض من الكتاب و السنه السعاده الابديه التى فى الاخره، و العلم بالله تعالى و رسله، و اليوم الاخر من الباقيات الصالحات.ان هذه المعلومات لا يتغير و لا يزول عما اعتقده المومنون الموحدون، و طلب الثناء من الخلق استبعاد قلوبهم (و السنتهم و الاستيلاء على قلو
بهم) دنون اموالهم خصوصا اذا كان طلب هذا الثناء، و المدح بافعال لا يجوزها الشرع، فهذا من امراض القلوب و من اقبل على الطاعه و اداء العبوديه و غرضه عن ذلك تزكيه عن نفسه، و تطهير ذاته و كونه مستعد الرضوان الله فهو العابد.من اقبل على الطاعه بسبب ثناء الخلق، و مدحهم فهو يجرى مجرى عابد الصنم، لانه يعبد معبودا هو مخلوق، و من اقبل على الطاعه طلبا لرضى الله، و لكن احب ان يعرفه الناس بالعباده، و الزهد و ذلك الرياء و الشرك و الخفى، لان المقصود من عبادته مشترك بين الله تعالى و المخلوق، قال الله تعالى: فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعباده ربه احدا.