حکمت 105
النياط: عرق علق به القلب من الوتين، فاذا انقطع مات صاحبه، و بضعه اى قطعه من لحم.و سنح: اى اعترض و الاسف: الحزن.و عاله الخوف: غلبه و منه عيل صبرى و روى غاله اى اهلكه.و عضته الفاقه: استعاره لطيفه لتعب الفقر، و تبعته.و كظته البطنه: اى اجهدته كثره الاكل و الكظه داء يعترى الانسان من امتلاء الطعام.اعلم ان مملكه القلب مملكه لها جنود مختلفه: كما قال تعالى: و ما يعلم جنود ربك الا هو، و خلق القلب للاخره، و شانه طلب السعاده العظمى، و لا يحصل للقلب معرفه الله الا بمعرفه صنع الله تعالى، و صنعه العالم، و معرفه عجائب العالم لا يحصل له الا من طريق الحواس، و قوام الحواس بالقالب و المعرفه صيده، و الحواس شبكته، و القالب مركبه.و القالب مركب من العناصر، و ذلك ضعيف بسبب هذا التركيب و فى خطر الهلاك من داخل بسبب الجوع و العطش، و من خارج بسبب الافات، و احتاج فى دفع الم الجوع و العطش، الى عسكرين ظاهر و باطن، فالظاهر الاعضاء، و الباطن القوى، فما من شى ء الا و الانسان يشبهه من وجه.فهو كالاركان لما فيه من الحراره، و البروده، و الرطوبه، و اليبوسه، و كالمعادن لما فيه من العظام و الاعصاب، و كالنبات من جهه ما يتغذى و ينمو و كالبهيمه من جهه ما يحس و يتخيل و يلتذ و يتالم، و كالسبع من جهه ما يجرد و يغضب و كالشيطان من جهه ما يغوى و يضل، و كالملك من جهه ما يعرف الله يعبده و كاللوح من جهه ما جعله الله مجمع الحكم.فى التوريه فى بدن الانسان اربعه الاف حكمه.و فى قلبه مثل ذلك و كالقلم من جهه ما يثبت بكلامه صور الاشياء، فى قلوب الناس.كما ان القلم يثبت الاشياء فى القرطاس، و اللوح، فالانسان بقلبه صار معدن العلم و الحكمه، و وجود العقل فيه فى ابتداء الامر كوجود الماء تحت الارض المحتاج فى استقامته الى حفر، و لما خلق الله الانسان على وجه يتحرى ما فيه اللذات و اللذات محسوسه، و معقوله، و طلب اللذات المحسوسه اغلب على الانسان لانها من توابع الشهوه، و لذلك قال تعالى: كلا بل (تحبون العاجله و تذرون الاخره).فى الانجيل: العقل صديق ممنوع، و الهور عدد متبوع و قد يظهر الانسان فى شعار النبات الحميد و الذميم، فيصير اما كالاترج الذى يطيب حمله و نوره، و عوده، و ورقه او كالنخل، و الكرم فيما يولى من النفع، او كالكشوف فى عدم الخير و تعدى الشر، او كالحنظل فى مراره المذاق، و على هذا نبه بقوله: كلمه طيبه كشجره طيبه.يظهر تاره فى شعار الحيوانات المحموده، فيصير
كالنحل فى كثره منافعه و قله مضاره، و فى حسن سياسته، كما قال: و اوحى ربك الى النحل، او كالخنزير فى الشره، او كالذئب فى العبث، او كالكلب فى الحرص، او كالنحل فى الجمع، او كالفاره فى السرقه، او كالثعلب فى المراوغه او كالقرد فى المحاكاه، او كالحمار فى البلاده او كالثور فى الغماره.على هذا النحو من المشابهات دل بقوله تعالى: و ما من دابه فى الارض و لا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم، و يظهر تاره فى شعار الشياطين، فيغوى و يضل وسول الباطل فى صوره الحق، كما دل تعالى عليه بقوله: شياطين الجن و الانس يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا، و انما يكون انسانا اذا وضع كل واحده من هذه الاشياء موضعها حسب ما يقتضيه العقل المستضى ء بنور الشرع، و قد ضربوا لذات الانسان، و قواها امثالا صوروها بها فان تمثيل ما لا يدرك الا بالعقل متصور للحسن يقرب من الفهم.فقالوا ذات الانسان يجرى مجرى بلد احكم بناوه، و شيد بنيانه و حصن سوره، و خطت شوارعه و قسمت محاله، و عمرت بالسكان دوره و اجريت انهاره، و اقيمت اسواقه، و استعملت صناعه، و فيه ملك مدبر و للملك وزير و صاحب بريد، و صاحب اخبار، و خازن، و ترجمان، و كاتب، و فى البلد اخيار و اشرار.