و توهم ان ما يحكيان عنه ليس بنحو الدلالة ، بل بنحو الخطور لانس الذهن ; خلاف الوجدان و هو اصدق شاهد على عدم الفرق في الدلالة بين الكلام الصادر عن متكلم شاعر و بين الصادر من غيره ، فبطل القول بان الالفاظ موضوعة للمعاني المرادة ، أو الوضع عبارة عن التعهد بإرادة المعنى من اللفظ ، أو ان الدلالة عبارة عن إبراز ما في الضمير و ما فيه حاك عن الواقع ، مضافا إلى ان الكلام الصادر من المتكلم لا يحكى الا عن الواقع ، و نفس الامر مستقيما من دلالة على المعاني الذهنية و صورها ، و هو وجداني جدا ، فيكون الصدق و الكذب من صفات الخبر أولا و بالذات ، و انما يتصف المتكلم بكونه صادقا أو كاذبا لاجل اخباره ، فلا محالة تكون سعة اتصافه بالصادق و الكاذب تابعة لاخباره ، لعدم إمكان ان يكون الخبر صادقا و قد أخبر به المتكلم ، و مع ذلك لا يكون صادقا و كذا في الكذب .لكن ترى في العرف و العادة عدم إطلاق الكاذب على الخاطى و المشتبه ، فلا يقال لمن صنف كتابا مشتملا على أحكام اجتهادية مخالفة للواقع : انه كاذب ، و لا لمن أخبر بإعطاء شيء لزيد غدا فمنعه مانع عنه : انه كذب و ان كان معذورا .و بالجملة ان العرف يطلقون على مثله الخطاء و الاشتباه أو نحوها ، و لا يقال : انه كاذب أو كذب فلان ، و لازم ذلك ان يكون أمثال ذلك خارجة عن الصدق و الكذب بالمعني المصدري ، و ان لم تخرج عن أحدهما بمعنى حاصل المصدر اى نفس الكلام .و يظهر من المنجد دخالة الاعتقاد فيه قال : كذب ضد صدق : أخبر عن الشيء بخلاف ما هو مع العلم به .ثم ان ما ذكرناه مقالة النظام فانه لم يفرق بين الكلام و المتكلم اى بين الصدق و الكذب و بين الصادق و الكاذب ، بل الظاهر عدم التزام احد به .و يمكن ان يقال : ان عدم انتساب إلى المفتى بالاحكام المخالفة للواقع و كذا غيره المخبر بمقالة كاذبة مع اعتقاده صدقها و أمثال ذلك : انما نشأ من ادب العشرة و احتراز الناس عن استعمال لفظ يشعر بالذم أو يدل عليه أو نتسابه إلى غيره و لو مع إرادة خلاف ظاهره و اقامة قرينة عليه ، و الظاهر من قوله كذب فلان أو