بما جعله الشارع سبباً، أو جعل ملاقاة النجس مع الماء القليل سبباً للنجاسة المستمرة، لا يكون هنا أيّ شكّ في المقتضي، و لو كان هنا شك فإنّما هو في الرافع، وهو هل المذي رافع للأمر المستمر أو انّ إتمام الماء كراً رافع للنجاسة أو لا؟
فإذا كان كذلك، فليس هناك مجال إلاّ لاستصحاب الأمر المستمر المتيقن سابقاً والمشكوك لاحقاً، ولا يصحّ التمسّك بعدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذي، أو عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرة. إذ لا نشكّ في إنشاء الأمر المستمر من دون تحديد بحدّ. وعلى ضوء ذلك فليس هناك شكّ في تأثير مقدار المقتضي، بل العلم حاصل في أنّه أثر بلا تحديد وتقييد، وإنّما الشكّ في القاطع والرافع فليس المرجع إلاّ أصالة عدم الرافع.
القول الخامس: عدم الحجية في الحكم الشرعي الكلّي
إلى هنا تمّت التفاصيل في جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي الكلّي بعد البناء على حجيته في ذلك المجال. وهناك من يمنع حجيته في الشبهة الحكمية بتاتاً، ومعه لا تصل النوبة إلى التعارض، واستدلّ على ذلك بوجهين:
الأوّل: اختصاص مورد روايات الاستصحاب بالشبهات الموضوعية كما هو الحال في صحاح زرارة الثلاث وغيرها. فانّ السؤال والجواب منصبَّان على الشبهة الموضوعية، ومعه كيف يمكن التمسّك بها لتصحيح استصحاب الحكم الكلّي؟
والجواب: انّ المورد غير مخصّص كما هو واضح، والمسوّّغ للاستصحاب هو اليقين الذي هو أمر مبرم لا ينقضه الشك الذي هو أمر موهون من غير فرق بين تعلّقه بالموضوع أو بالحكم، والمجوِّز للاستصحاب هو استحكام اليقين و وهن الشك وهو موجود في كلا المقامين.