النجاسة عن المسجد، والموسَّع الذي لا يفوت بالاشتغال بالمضيّق إلاّ فضيلة الوقت، يحكم العقل بتقديم الأوّل ـ أي إزالة النجاسة ـ على الثاني و هو الصلاة . وربما يقال بخروج المورد عن التزاحم، لأنّه عبارة عمّا لا يمكن الجمع بينهما، ولا إشكال في إمكان الجمع بين الموسّع والمضيّق.
يلاحظ عليه: أنّ المراد هو عدم التمكّن إمّا مطلقاً، أو نسبيّاً كما في المقام حيث لا يتمكن من درك فضيلة الوقت الأوّل مع الابتلاء بإزالة النجاسة.
نعم يمكن إرجاع هذا المرجِّح إلى المرجِّح السابق بالقول بأنّ المضيّق ليس له بدل اختياري ولكن الصلاة في الوقت الأوّل له بدل اختياري.
3. تقديم الأهم من المتزاحمين على المهم
إذا كان هناك واجبان أحدهما أهم من الآخر، كما إذا دار الأمر بين نجاة المسلم والكافر الذميّ، أو المسلم والمؤمن فالعقل يحكم بتقديم الأهم.
4. سبق امتثال أحد الحكمين زماناً
إذا كان امتثال أحد الواجبين سابقاً على الآخر زماناً كما إذا وجب عليه صوم الخميس والجمعة، ولم يتمكن إلاّ من صوم يوم واحد فعليه أن يقدِّم صوم الخميس على صوم الجمعة، لأنّه لو صام الخميس وأفطر في الجمعة فقد صام وأفطر عن حجة، بخلاف ما إذا عكس فقد أفطر يوم الخميس بلا مجوِّز في ظرف الإفطار، و قس على ذلك ما إذا قدر على القيام في ركعة واحدة فتقدَّم الركعة الأُولى على الثانية إذ لو عكس فقد ترك القيام في الركعة الأُولى بلا عذر، والمراد من التزاحم هو عدم التمكّن من القيام بكلا الواجبين.
5. تقديم الواجب المطلق على المشروط
إذا كان هناك واجب مطلق وآخر مشروط لم يحصل شرطه يقدّم المطلق على المشروط وهو واضح، كما إذا أجنب المعتكف حيث إنّ مكْثُ الجنب في المسجد حرام، وخروج المعتكف في اليوم الثالث حرام مشروط بعدم الحاجة، ولكن الشرط العدمي غير حاصل، فيقدّم الخروج على البقاء، إنّما الكلام في تطبيق الضابطة على مورد خاص ذكره السيد الطباطبائي في العروة الوثقى، وقال:
إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يزور الحسين ـ عليه السلام ـ في كلّ عرفة ثمّ حصلت لم يجب عليه الحجّ، بل وكذا لو نذر إن جاء مسافره ان يعطي للفقير كذا مقداراً، فحصل له ما يكفيه لأحدهما (الأمرين) بعد حصول المعلّق عليه، بل وكذا إذا نذر قبل حصول الاستطاعة أن يصرف مقدار مائة ليرة مثلاً في الزيارة أو التعزية أو نحو ذلك، فانّ هذا كلّه مانع عن تعلّق وجوب الحجّ به، وكذا إذا كان عليه واجب مطلق فوري.(1)
أقول: كان على السيّد أن يقدّم الحجّ على الزيارة أخذاً بالضابطة التي أشار إليها في ذيل كلامه وهو تقديم الواجب المطلق على الواجب المشروط، لأنّ وجوب الحجّ مطلق لكن وجوب النذر مشروط بوجود الرجحان في متعلّقه حين العمل، وهو غير موجود، توضيحه:
انّه لو صحّ النذر لكان تعجيزاً شرعياً للمستطيع، والعجز الشرعي كالعجز العقلي فيكون مأموراً بالوفاء بالنذر ومعذوراً في ترك الحجّ لعجزه شرعاً عن امتثال أمر الحجّ والمفروض انّ المتعلّق راجح في حدِّ نفسه.
1. العروة الوثقى، كتاب الحج، فصل الاستطاعة، المسألة 31.