ومن هذا الباب مسألة تعارض الأدلّة حيث يبحث فيها عن ما هو الحجّة عند تعارض الأدلّة، فهل الحجّة هو التخيير بين الدليلين مطلقاً؟ أو التخيير لدى التعادل، والترجيح لدى المزيّة؟ أو شيء غير التخيير والترجيح؟ فالبحث على كلّتقدير بحث عن عوارض الحجّة في الفقه، المسلَّم وجودها.
إلى هنا تبيّن انّ مسألة التعارض وكيفية العلاج من المسائل الأُصولية، وأمّا كونها مهمَّة فلأجل أنّه قلّما يتفق باب لا توجد فيه أخبار متعارضة، ولذلك قام الشيخ الطوسي بتأليف كتاب أسماه «الاستبصار فيما اختلف من الأخبار» لعلاج تلك الطائفة الكبيرة من الروايات، فما قام به المحقّق الخراساني من جعله ثامن المقاصد أولى ممّا قام به الشيخ الأعظم حيث جعل باب التعارض خاتمة الكتاب مشعراً بكونه ليس من العلم كمقدمة الكتاب، اللّهمّ إلاّ أن يريد منها، خاتمة المسائل، لا خاتمة الكتاب.
ثمّإنّ عنوان المسألة وإن كان يعمّ تعارض كلّ الأدلّة الشرعية كتعارض قول اللغويِّين أو مدعيي الإجماع، لكن البحث مُخصَّص بتعارض الخبرين فقط مقتصراً في غيرهما بما ذكروه في المقامات المختصّة للغير.
الثاني: التعارض لغة واصطلاحاً
التعارض لغةً من العرض و هو الإراءة، يقال: «عرضت الناقة على الحوض» وهو من الأمثلة المعروفة لوجود القلب في الكلام، والأصل هو: عرضت الحوض على الناقة وقال سبحانه: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماء كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلى المَلائِكَة)(1). وقال تعالى: (النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَومَ تَقُومُ السّاعَةُ
1. البقرة:31.