وليس المراد من تكذيبهم وتصديق الأخ إلاّ حسن الاعتقاد بالأخ المؤمن بأنّه صادق في تكذيبه مع حسن الاعتقاد بالقسامة، بالحكم بصدقهم في اعتقادهم; وأمّا ترتيب الأثر على قول الأخ أو القسامة، فخارج عن مصبّ الروايات، فهذه الأدلّة ناظرة إلى حكم أخلاقي لا صلة له بالحكم الشرعي.
2. ترتيب الأثر على الفعل الصادر من الغير بمعنى فرض فعله مطابقاً للواقع، فإذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحاً أو فاسداً لا على وجه قبيح، بل كان الأمران في حقّه مباحين لكن أحدهما فاسد والآخر صحيح يحمل على القسم الصحيح، كبيع الراهن العين المرتهنة مع رجوع المرتهن عن إذنه وعدم علم الراهن به، فدار بين كونه قبل رجوع المرتهن عن الإذن واقعاً أو بعده، فانّكلا البيعين بحكم جهل الراهن أمر حسن، لكن يترتب الأثر على أحدهما، وهو البيع قبل الرجوع، لا على الآخر و هو البيع بعد الرجوع، فيحمل على الفرد الصحيح.
وفي المقام يفترق المعنيان، فإنّ أصالة الصحة بالمعنى الأوّل، أي عدم صدور الفعل القبيح عن الفاعل، تجري في كلتا الصورتين: البيع قبل الرجوع والبيع بعده، لفرض جهل الراهن البائع بالرجوع.
وأمّا أصالة الصحّة بالمعنى الثاني فيختص جريانها بصورة واحدة، وهي البيع قبل رجوع المرتهن، وأصالة الصحة بهذا المعنى رهن دليل آخر، ولا يكفيها ما ورد حول المعنى الأوّل. وهذا ما سنحيل دراسته إلى الأمر الثالث.
الثالث: الدليل على أصالة الصحّة بمعنى ترتيب الأثر الشرعيّ
استدلّ الفقهاء منهم المحقّق النراقي في عوائده(1) والشيخ الأعظم في الفرائد على حجّية أصالة الصحة بالمعنى الثاني بوجوه، غير انّ الدليل الوحيد الذي يمكن أن يتمسّك به هو السيرة العقلائية على حمل فعل الغير على الصحة، بل مطلق حمل الفعل الصادر عن الفاعل المختار على الصحّة ليعمّ فعل النفس وفعل الغير. والداعي إلى اتخاذ العقلاء هذا الأصل سنّة في الحياة، هو ملاحظة طبع العمل الصادر عن إنسان مريد يعمل لغاية، أعني: الانتفاع بعمله آجلاً وعاجلاً، ومقتضى ذلك إيجاد العمل صحيحاً لا فاسداً، كاملاً لا ناقصاً، وإلاّ يلزم نقض الغرض والفعل العبث.
وإن شئت قلت: كما أنّ الصحّة هي الأصل في الطبيعة دون المعيب فإذا بُشِّر أحد برزق الولد يتبادر الولد السويّ، أو إذا باع دابّة معينة، يحمل على الصحيح، لأنّ الأصل في الطبيعة هو الصحّة والنقص أمر طارئ عليه ولا يعدل عنه إلاّ بقرينة. هكذا الصحّة هي الأساس في فعل الإنسان فيحمل على الصحة، وذلك لأنّ الأصل في الفعل الصادر من الفاعل المختار الهادف، هو صحّة الفعل، والفاسد أمر طارئ نابع من الغفلة.
هذا هو الأصل المحقّق بين العقلاء، وعليه السيرة المتشرّعة بما هم عقلاء، وعلى ضوئهم مشى الفقهاء في الأحكام الشرعية، فانّك لا تجد بين القدامى من الفقهاء عنواناً لهذا الأصل: «أصالة الصحّة في فعل الغير»، لكنّهم بما هم عقلاء تبعوا في أحكامهم الأصلَ الدارج بينهم، وإليك سرد طائفة من الأحكام المبنيّة على الأصل المذكور:
1. عوائد الأيام:73.