ج: انّ الورود والحكومة من المصطلحات الحديثة، وسيوافيك توضيحهما في مبحث التعادل والترجيح، وموجز القول فيهما هو: إنّ «الورود» عبارة عن كون أحد الدليلين ناظراً إلى عقد الوضع وكان رافعاً لموضوع الدليل الآخر حقيقة لكن بعناية الشرع، كما هو الحال إذا قيس دليلُ حجّية الأمارة إلى دليل الأُصول العقلية، فانّموضوع دليل البراءة العقلية مثلاً هو عدم ورود البيان من الشرع، والأمارة التي هي حجّة شرعية رافع لموضوعها حقيقة لكونها بياناً من الشارع في موردها، فهي بيان بعناية الشرع، إذ لولا إضفاء الشارع الحجّيةَ عليها لما كان بياناً واقعاً، بل كان مظنون البيان. إذا عرفت هذه الأُمور الثلاثة، فاعلم: أنّه ذهب المحقّق الخراساني إلى كون تقديم دليل الأمارة على دليل الاستصحاب من باب الورود، وأفاد في وجهه: انّ رفع اليد عن اليقين السابق بسبب أمارة معتبرة على خلافه، ليس من نقض اليقين بالشك بل باليقين. توضيحه: انّ المأخوذ في دليل الاستصحاب ليس صرف الشكّ كما في سائر الأُصول، بل هو مع اليقين السابق، منضماً إلى كون رفع اليد عنه نقضاً لليقين بالشكّ، وإذا دلّ الدليل على حجّية الأمارة، فلا يكون رفع اليد عنه نقضاً له بالشكّ، بل نقضاً باليقين، حيث إنّ الأمارة حجّة يقيناً ـ و إن كان مفادها أمراً ظنيّاً ـ فيكون دليلها وارداً على دليله. ولما كانت هنا مظنة سؤال، و هو انّ هذا البيان لا يتم فيما إذا اتحد مضمونه مع مضمون الأمارة، حيث يعمل على وفق الحالة السابقة. فأجاب عنه: بأنّ العمل على وفق الحالة السابقة في هذا المورد ليس لأجل أن لا يلزم نقضه بالشك، بل من باب لزوم العمل باليقين الثاني.