الجعل والإنشاء على وجه لا يمكن للحكيم إنشاء حكمين عن جدّ لمتعلّق واحد، ويمتنع أن تتعلّق إرادته الجديّة بجعل حكم لمتعلّق وفي الوقت نفسه بجعل حكم آخر لنفس ذلك المتعلّق كما إذا أنشأ ثمن العذرة سحت، ولا بأس ببيع العذرة، فهذا هو التعارض المصطلح في باب التعادل والترجيح . وإن شئت قلت: التعارض عبارة عن تكاذب الدليلين في مقام الإنشاء بحيث يُكذِّب، ويطارد كلّ الآخرَ في ذلك المقام من دون أن تصل النوبة إلى مقام الدلالة والفعلية والتنجّز، سواء امتنع الامتثال بهما كما في المثال المتقدّم أو أمكن، مثل ما إذا قال: الدعاء عند رؤية الهلال واجب، و قال أيضاً: الدعاء عند رؤيته مستحب، فانّ الامتثال لكلا الدليلين أمر ممكن، بالدعاء عند رؤيته، فانّه امتثال للوجوب والندب معاً، لكن التكاذب موجود في مقام الإنشاء ولا يصحّ لحكيم أن يُنشئ ذينك الحكمين، ولا تتعلّق إرادته الجدية بإنشاء كلّ منهما، لأنّ لازم أحد الحكمين جواز الترك دون الحكم الآخر. وأمّا لو كان التنافي في مقام الامتثال مع كمال الملائمة في مقام الجعل والدلالة والمدلول فهذا هو التزاحم، مثلاً إذا قال المولى: أنقذ الأب، وأنقذ العم، ففوجئ بغرق كليهما ولم تكن له قدرة إلاّ على إنقاذ أحدهما، فالدليلان متلائمان في مقام الجعل، إذ لا مانع من أن يكون إنقاذ كلّ بل وغيرهما واجباً، وإنّما جاء التنافي عن طريق المصادفة حيث فوجئ بغرق كليهما معاً، فلم يجد بدّاً من إنقاذ واحد وترك الآخر.فالتنافي ليس في مقام الجعل ولا في مقام المدلول ولا الدلالة وإنّما هو في رتبة رابعة وهي مقام الامتثال. وعلى هذا فعلاج المتزاحمين بالتصرّف في موضوع الحكم الفعلي بتعلّقه بالأهم دون المهمّ من دون تصرّف في مقام الجعل والمدلول والدلالة، ولذلك لو