الاستدلال على حرمة بيعه من جهة النجاسة والحرمة وانتفاء المالية والجواب عنه
و ان كان غليانه بالنار فهو محل الكلام في المقام ، و مورد النقض و الابرام من جهة طهارته و عدمها ، و جواز شربه و بيعه و عدمهما ، و فصل بعضهم بين العصير العنبي و التمري و حكم بنجاسة الاول و طهارة الثاني ، و تحقيق ذلك و تفصيله في كتاب الطهارة ، و وجهة الكلام هنا في خصوص البيع فقط ، و الظاهر جوازه .و لنمهد لبيان ذلك مقدمة ، و هي أنه لا إشكال في ان العصير العنبي سواء غلى أم لم يغل من الاموال المهمة في نظر الشارع و العرف ، و عليه فلو أتلفه أحد ضمن قيمته لمالكه ، كما لو أغلاه الغاصب ، فانه يضمنه بنقصان قيمته إذا كان الغليان موجبا للنقص ، كأن اخذ للتداوي في أوان العنب ، فانه لا قصور في شمول دليل اليد لذلك مع قيام السيرة القطعية عليه و إن كان غليانه لا يوجب نقصان قيمته ، أو كان سببا لزيادتها فلا وجه للضمان ، كان أخذ للدبس و نحوه فغصبه الغاصب فأغلاه ، و الوجه في ذلك هو أن الغاصب و إن أحدث في العصير المغصوب وصفا جديدا ، إلا أن تصرفه هذا لم يحدث عيبا في العصير ليكون موجبا للضمان ، بل صار وسيلة لازدياد القيمة .و من هنا ظهر لك ضعف قول المتن : ( لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم و نجس لم يكن في حكم التالف ، بل وجب عليه رده ، و وجب عليه غرامة الثلثين ، و اجرة العمل فيه حتى يذهب الثلثان ) فقد عرفت عدم صحة ذلك على إطلاقه .إذا علمت ذلك وقع الكلام في ناحيتين ، الناحية الاولى : في جواز بيع العصير العنبي و عدمه بحسب القواعد ، و الناحية الثانية : في جواز بيعه و عدم جوازه بحسب الروايات أما الناحية الاولى : فقد يقال : بحرمة بيعه إذا غلى من جهة النجاسة ، و الحرمة ، و انتفاء المالية ، و لا يرجع شيء من هذه التعليلات إلى معنى محصل ، أما النجاسة فانها لم تذكر إلا في رواية تحف العقول ، و المراد بها النجاسات الذاتية ، فلا تشمل المتنجسات ، لان نجاستها عرضية ، و لو سلمنا شمولها للمتنجسات فالنهي عن بيعها ليس إلا من جهة عرائها عن المنفعة المحللة ، و لا شبهة في أن العصير العنبي المغلي ليس كذلك ، لوجود المنافع المحللة فيه بعد ذهاب ثلثيه ، على أن مانعية النجاسة عن البيع ممنوعة كما تقدم .و أما الحرمة فقد يقال : إن الروايات العامة المتقدمة دلت على وجود الملازمة بين حرمة الشيء و حرمة بيعه ، إلا أنه فاسد ، فقد تقدم أنها ضعيفة السند ، و أشرنا ايضا إلى عدم الملازمة بين حرمة الشيء و حرمة بيعه ، على أن المراد بالحرمة فيها ما يعرض على الشيء بعنوانه الذاتي الاولي ، فلا تشمل الاشياء المحرمة بواسطة عروض أمر خارجي ، و إلا للزم القول بحرمة بيع الاشياء المباحة إذا عرضتها النجاسة مما يوجب حرمتها العرضية