الكذب في الجد والهزل وحرمة ذلك
و لكن الذي يعظم الخطب ما تقدمت الاشارة اليه في مبحث الغيبة من أنه لا أثر لهذه المباحث ، فان الذنوب كلها كبيرة و إن كان بعضها أكبر من بعض ، و لذا اختلفت الاخبار في تعدادها .و لو سلمنا انقسامها إلى الصغيرة و الكبيرة فان جميعها مضرة بالعدالة ، فان العدالة هي الاستقامة و الاعتدال ، فاي ذنب ارتكبه المكلف فانه يوجب الخروج عنها .حرمة الكذب في الهزل و الجد هل يحرم الكذب مطلقا و إن كان صادرا بعنوان الهزل ، أو تختص حرمته بالكذب الجدي ؟ فنقول : إن الكذب المسوق للهزل على قسمين : فانه قد يكون الهازل بكذبه مخبرا عن الواقع ، و لكن بداع المزاح و الهزل من دون أن يكون إخباره مطابقا للواقع ، كأن يخبر أحدا بقدوم مسافر له أو حدوث حادث أو وصول حاجة ليغتر المخاطب بقوله ، فيرتب عليه الاثر ، فيضحك منه الناس ، و هذا لا شبهة في كونه من الكذب ، فانه عبارة عن الخبر الموافق للواقع ، و اختلاف الدواعي لا يخرجه عن واقعه و حقيقته ، و إذن فيكون مشمولا لما دل على حرمة الكذب .و قد يكون الكلام بنفسه مصادقا للهزل ، بحيث يقصد المتكلم إنشاء بعض المعاني بداعي الهزل المحض من ان يقصد الحكاية عن واقع ليكون إخبارا ، و لا يستند إلى داع آخر من دواعي الانشاء .و مثاله أن ينشئ المتكلم وصفا لاحد من حضار مجلسه بداعي الهزل ، كإطلاق البطل على الجبان و الزكي على الابله و العالم على الجاهل ، و هذا لا دليل على حرمته مع نصب القرينة عليه كما استقر به المصنف .و الوجه في ذلك هو ان الصدق و الكذب إنما يتصف بهما الخبر الذي يحكى عن المخبر به ، و قد عرفت : ان الصادر عن الهازل في المقام ليس إلا الانشاء المحض ، فيخرج عن حدود الخبر موضوعا .و قد يقال : بالحرمة هنا أيضا ، لاطلاق جملة من الروايات : منها مرسلة سيف المتقدمة ، فانها ظاهرة في وجوب الاتقاء عن صغير الكذب و كبيره في الجد و الهزل على وجه الاطلاق و فيه مضافا إلى كونها ضعيفة السند ، أن انشاء الهزل خارج عن الكذب موضوعا كما عرفت ، فلا يشمله ما دل على حرمة الكذب .و من هنا ظهر الجواب عن التمسك بروايةكذلك لا يصدق عليه الكذاب الذي من الصيغ المبالغة ، و هو واضح .