مقدمة نافعة في بيان موضوع أخذ الاجرة على الواجب قبل التعرض لحكم المسألة ، و بيان الحقيقة فيها نقدم امرا لبيان موضوعها ، و إجماله أن موضوع البحث في المقام إنما هو جهة العبادة ، وجهة الوجوب فقط ، و مانعيتهما عن صحة الاجارة و عدمها بعد الفراغ عن سائر الجهات و الحيثيات التي اعتبرها الشارع المقدس في عقد الاجارة كأن لا يكون العمل المستأجر عليه مما اعتبرت المجانية فيه عند الشارع .و هذا لا يختص بالواجب ، بل يجري في المستحبات ايضا ، كاستئجار المؤذن للاذان ، و استئجار المعلم للتدريس ، و استئجار الفقية للافتاء ، و استئجار القاري لقراءة القرآن ، و قد يجري في المكروهات أيضا ، كاستئجار فحل الضراب للطروقة .و هذه الامثلة مبنية على تعلق غرض الشارع بمجانية الامور المذكورة ، و حرمة أخذ الاجرة عليها ، أو كراهته .ثم إن بعضهم ذكر أن من شرائط الاجارة أن تكون منفعة العين المستأجرة عائدة إلى المستأجر ، و رتب عليه بطلان إجارة المكلف لامتثال فرائضه من الصلاة و الصوم و الحج و غيرها ، و بطلان الاجارة للاتيان بالمستحبات لنفسه ، كالنوافل اليومية و الليلية ، و غير ذلك من الموارد التي يكون النفع فيها راجعا إلى الاجير أو إلى شخص آخر المستأجر .و الوجه في ذلك أن حقيقة الاجارة هي تبديل منفعة معلومة بعوض معلوم ، فلا بد من وصول المنفعة إلى المستأجر ، لانه الدافع للعوض المعلوم ، و إلا انتفت حقيقة الاجارة ، إذ يعتبر في التبديل أن يقوم كل من العوض و المعوض مكان الآخر بحيث يدخل كل منهما في المكان الذي خرج منه الآخر ، و سيأتي اعتبار ذلك أيضا في حقيقة البيع .و في البلغة أن الاجارة بدون هذا الشرط سفهية ، و أكل للمال بالباطل ، و لذا لا تصح الاجارة على الافعال العبثية و إبداء الحركات اللاغية ، كالذهاب إلى الامكنة الموحشة ، و رفع الاحجار الثقيلة ، انتهى ملخص كلامه .و التحقيق أن يقال : إن حقيقة الاجارة لا تقتضي إلا دخول العمل في ملك المستأجر قضأ لقانون المبادلة ، و أما كون المنفعة راجعة اليه فلا موجب له .و أما حديث سفهية المعاملة فيرد عليه أولا : أنك قد عرفت مرارا ، و ستعرف في مبحث البيع إنشاء الله : أنه لا دليل على بطلان المعاملة السفهية ، و إنما الدليل على بطلان