الاستدلال على كراهة أخذ المال منه في هذه الصورة والجواب عنه
ما استدل به على كراهة اخذ المال من الجائر مع العلم بوجود الحرام في أمواله و الجواب عنه قوله : ( ثم إنه صرح جماعة بكراهة الاخذ ) .أقول : كره جماعة اخذ الجائزة من الجائر مع قيام الحجة على الجواز ، و استدلوا عليه بوجوه : الاول : انه يحتمل أن يكون المأخوذ منه حراما واقعا ، لكن قام الدليل على جواز تناوله ظاهرا ، فيكون مكروها .و فيه انه لو كان الاحتمال موجبا لكراهة التصرف في المأخوذ من الجائر لوجب الالتزام بكراهة التصرف فيما اخذ من اي احد من الناس حتى المتورعين في أمورهم ، لوجود الاحتمال المذكور في أموالهم ، مع انه لم يلتزم بها احد في جوائز السلطان .الوجه الثاني : الاخبار الكثيرة ( 1 ) الدالة على حس الاحتياط ، كقوله " ع " : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) و قولهم " ع " : ( فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ) و كقوله " ع " : ( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ) و كقول علي " ع " لكميل بن زياد : ( أخوك دينك فاحتط لدينك بما شئت ) و في الحديث ( إن لكل ملك حمى و حمى الله ما رمه فمن رتع حول الحمى أوشك ان يقع فيه ) .و غير ذلك من الروايات .و فيه انه إن كان المراد بالريب أو الشبهة التي جعلت موضوعا للحكم في هذه الاخبار الريب في الحكم الظاهري بأن كانت واقعة خاصة مشتبهة في حكمها الظاهري فهو ممنوع في المقام ، لارتفاعه بقاعدة اليد التي ثبت اعتبارها في الشريعة المقدسة ، و ان كان المراد به الريب في الحكم الواقعي فالأَموال كلها إلا ما شذ و ندور مشتبهة من حيث الحكم الواقعي حتى الاموال المشتبهة في أيدي عدول المؤمنين ، لوجود احتمال الحرمة الواقعية في جميع ذلك ، و لازم ذلك ان يحكم بكراهة التصرف في جميع الاموال ما اخذ من المباحات الاصلية ، و على هذا فطريق التخلص من الكراهة ان يعامل بها معاملة مجهول المالك ، كما كان ذلك دأب بعض الاعلام من السادة .نعم يختلف الاحتياط من حيث الشدة و الضعف بحسب الموارد ، فالاحتياط في أموال الجائرين اشد من الاحتياط في أموال بقية الناس .و على الجملة لا طريق لنا إلى إثبات1 - راجع ج 3 ئل باب 12 وجوب التوقف و الاحتياط من أبواب صفات القاضي ص 387 .