رفع غشاوة قد يتوهم أنه لا محيص ان تكون أقوال إبراهيم و يوسف المذكورة كاذبة ، غاية الامر أنها من الاكاذيب الجائزة ، أما قول إبراهيم " ع " : ( إني سقيم ) .و قول يوسف " ع " : ( أيتها العير إنكم لسارقون ) .فصدق الكذب عليهما واضح .و أما قول إبراهيم " ع " : ( بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون ) .فلان الشرط فيه إما أن يرجع إلى السوأل المذكور فيه ، و إما أن يرجع إلى الفعل ، فان كان راجعا إلى السوأل انحلت الآية الكريمة إلى قضيتين : احداهما حملية : و هي قوله تعالى ( بل فعله كبيرهم هذا ) و الثانية إنشائية مشروطة ، و هي قوله تعالى ( فأسألوهم إن كانوا ينطقون ) أما القضيه الاولى فهي كاذبة لكونها مطابقة للواقع .و أما القضيه الثانية فهي إنشائية لا تتصف بالصدق و الكذب .و إن كان راجعا إلى الفعل الذي نسبه إلى كبيرهم كانت الآية مسوقة لبيان قضية شرطية مقدمها قوله تعالى : ( بل فعله كبيرهم هذا ) و تاليها قوله تعالى : ( كانوا ينطقون ) فقد دخلت عليها اداة الشرط ، و جعلتهما قضية واحدة شرطية ، و من البديهي انها ايضا كاذبة ، فان الصدق و الكذب في القضايا الشرطية يدوران مدار صحة الملازمة و فسادها ، و لا شبهة أنها منتفية في المقام ، بداهة أنه لا ملازمة بين نطق كبير الاصنام و بين صدور الفعل منه ، بل الفعل قد صدر من إبراهيم على كل تقدير ، سواء نطق كبيرهم ام لم ينطق .أقول : أما رمي قول إبراهيم : ( بل فعله كبيرهم هذا ) بالكذب فجوابه أنا قد حققنا في مبحث الواجب المشروط من علم الاصول ان الشروط في الواجبات المشروطة إما أن ترجع إلى الانشاء : أعني به إبراز الاعتبار النفساني .و إما أن ترجع إلى متعلق الوجوب : اي المادة المحضة كما في الواجب المعلق على ما نسب إلى المصنف في التقريرات .و إما ان ترجع إلى المنشا ، و هو ما اعتبره في النفس ثم أبرزه بالانشاء ، فيكون مرجع القيد في قولنا : إن جاءك زيد فأكرمه هو وجوب الاكرام ، فيصير مقيدا بمجئ زيد .أما الاول فهو محال ، لان الانشاء من الامور التكوينية التي يدور أمرها بين الوجود و العدم ، فإذا أوجده المتكلم استحال ان يتوقف وجوده على شيء آخر ، لاستحالة انقلاب الشيء عما هو عليه .و أما الثاني فهو و إن كان ممكنا في مرحلة الثبوت ، و لكنه خلاف ظاهر الادلة في مقام