شراء الصدقات من الجائر قبل أخذه إياها من الناس الامر الثاني : هل يجوز شراء الصدقات مر الجائر قبل أخذه إياها من الناس أم لا يجوز ذلك إلا بعد الاخذ ؟ ظاهر عبارات الاكثر ، بل الكل أن الحكم مختص بما يأخذه السلطان من المسلمين ، فلا يجوز شراء ما في ذمة مستعمل الاراضي الخراجية أو الحوالة عليه ، و صريح جماعة جواز ذلك للاخبار الواردة في تقبل الاراضي الخراجية و تقبل خراجها و جزية الرؤوس من الجائر قبل أخذه إياها ( و قد تقدمت الاشارة إليها آنفا ) فان تقبل الخراج من الجائر ليس إلا شراؤه منه .و أما اختصاص عبارات الفقهاء بصورة الشراء بعد الاخذ فمبني على الغالب .لا يقال : ان قوله ( ع ) في رواية الحذاء المتقدمة : ( ان كان قد أخذها و عزلها فلا بأس ) .يدل على حرمة الشراء قبل الاخذ و العزل ، و لا اختصاص لذلك بالصدقات ، لعدم القول بالفصل بينهما ، و بين الخراج و المقاسمة .فانه يقال : ان الرواية و ان كانت ظاهرة في ذلك ، الا أنه ظهور بدوي يزول بالتأمل فيها ، فانها بعيدة عما نحن فيه .لان الظاهر من قول السائل : ( فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات أغنا منا فنقول : بعناها الخ ) .أن الجابي هو العامل من قبل الجائر ، اذ لم يتعارف تصدي الجائر لذلك بنفسه ، و على هذا فكلما أخذه العامل من حقوق المسلمين جاز شراؤه منه ، لقاعدة اليد المقتضية لحمل معاملاته على الصحة ، فانه من المحتمل أن يكون العامل مأذونا في البيع كما هو مأذون في الجباية .و لكن ذلك لا يجري فيما قبل الاخذ ، لان حمل فعل المسلم على الصحة في المعاملات إنما هو في الشرائط العائدة إلى العقد فقط .و أما شرائط العوضين و أشباهها فلا بد من إحرازها بدليل آخر من قاعدة اليد و نحوها ، و هي منتفية في هذه الصورة ، فإذا باع أحد شيئا ، و لم نحرز مالكيته له ، أو كونه وكيلا مفوضا في البيع فان الاثر لا يترتب عليه بيعه ، و قد ظهر مما تقدم أن الرواية إنما وردت على طبق القواعد .و يضاف إلى ذلك ما تقدم سابقا من أن الرواية ناظرة إلى عدم جواز الشراء قبل الاخذ ، لان الصدقات لا تتمين بأمر الجائر بالعزل فإذا اشتراها قبل الاخذ فقد اشترى مال نفسه ، و هو واضح البطلان .