يجوز للمظلوم أن يتظلم وليس لذلك من الغيبة
تحقق مفهوم الغيبة مع التجاهر ، على ما ذكرناه في تفسيرها ، و الله العالم .و لقد أجاب المصنف حيث قال : ( و بالجملة فحيث كان الاصل في المؤمن الاحترام على الاطلاق وجب الاقتصار على ما تيقن خروجه ) .قوله : ( و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة ) .أقول : قد تقدم توضيح ذلك في البحث عن حرمة سباب المؤمن ، و قلنا : إن النسبة بين الغيبة و سب المؤمن هي العموم من وجه .جواز تظلم المظلوم قوله : ( الثاني : تظلم المظلوم و إظهار ما فعل به الظالم و إن كان متسترا به ) .أقول : ذكر الشيعة و السنة ( 1 ) من مستثنيات حرمة الغيبة تظلم المظلوم ، و إظهار ما أصابه من الظالم و إن كان مسترا في ظلمه إياه .كما إذا ضربه أو شتمه أو اخذ ماله او هجم على داره في مكان لا يراهما احد أو لا يراهما من يتظلم اليه ، فانه يجوز للمظلوم ان يتظلم بها إلى الناس .و يدل عليه قوله تعالى ( 2 ) : ( لا يحب الله الهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) .فقد ثبت من الخارج ان الغيبة من الجهر بالسوء ، فانها إظهار ما ستره الله من العيوب الموجبة لهتك المقول فيه و إهانته ، كما عرفت .وعيه فتنطنبق الآية على ما نحن فيه ، و تكون النتيجة ان الله لا يحب الاغتياب إلا للمظلوم ، فان له ان يتظلم إلى النسا بذكر مساوي الظالم و إن لم يرج ارتداعه عن ظلمه إياه .و أما الرواية ( 3 ) المفسرة للجهر بالسوء بأن المراد به الشتم فمضافا إلى ضعف السند فيها أن انطباقه على ذلك لا ينافى انطباقه على الغيبة ايضا ، لما عرفت مرارا من ان الروايات الواردة في تفسير البرآن كلها لبيان المصداق و تنقيح الصغرى .و قيد الشهيد في كشف الريبة و جمع ممن تأخر عنه جواز الغيبة هنا بكونها عند من يرجو منه إزالة الظلم عنه اقتصارا في مخالفة الاصل الثابت بالعقل و النقل على المتيقن ، إذ لا عموم في الآية ليتمسك به في إثبات الاباحة مطلقا .و ما ورد في تفسير الآية من الاخبار1 - راجع ج 3 إحياء العلوم للغزالي ص 133 .2 - سورة النساء ، آية : 148 .3 - راجع ج 2 مجمع البيان ط صيدا ص 131 .