مصباح الفقاهة فی المعاملات جلد 1
لطفا منتظر باشید ...
و إن كان بعضها أكبر من بعضها الآخر ، كالشرك بالله العظيم ، فانه من أعظم المعاصي و قتل النفوس المحترمة ، فانه أعظم من بقية الذنوب .و هكذا ، و إنما أطلقت الكبيرة عليها بالتشكيك على اختلاف مراتبها شدة و ضعفا .و عليه فلا وجه للنزاع في أن الغيبة من الكبائر أم من الصغائر .و قد اختار هذا الرأي جمع من الاصحاب ، بل ظاهر ابن إدريس في كتاب الشهادة من السرائر دعوى الاجماع عليه ، فانه بعد ما نقل كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في ان الذنوب على قسمين : صغائر و كبائر قال : ( و هذا القول لم يذهب اليه ( ره ) إلا في هذا الكتاب أعني المبسوط ، و لا ذهب اليه احد من الاصحاب ، لانه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالاضافة إلى غيرها ) .و من هنا يتضح ان الاخبار الواردة في عد الكبائر إنما هي مسوقة لبيان عظمها بين سائر الذنوب : لحصر المعاصي الكبيرة بالامور المذكورة ، و عليه يحمل قوله تعالى ( 1 ) : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) .و مع الاغضاء عما ذكرناه فلا ثمرة للنزاع في الفرق بين الكبائر و الصغائر ، فان الذنوب كلها تضر بالعدالة و تنا فيها ، فان العدالة هي الاعتدال في الدين ، و الاستقامة على طريقة سيد المرسلين ، و ارتكاب أية معصية و إن كانت صغيرة يوجب الانحراف في الدين ، و الخروج عن الصراط المستقيم ، لكون ذلك هتكا للمولى و جرأة عليه ، كما ان الخروج عن الطرق التكوينية انحراف عنها .و لو سلمنا ان الصغائر لا تنافي العدالة إلا ان الغيبة من الكبائر ، فان الكبيرة ليست لها حقيقة شرعية لنبحث فيها ، بل المراد بها هو معناها اللغوي ، و هو الذنب العظيم عند الشارع و يعرف عظمه تارة بالنص على كونه من الكبائر كالشرك و الزناء و قتل النفس المحترمة و غيرها من الكبائر المنصوصة .و اخرى بالتوعد عليه في الكتاب أو السنة المعتبرة .و ثالثة بترتيب آثار الكبيرة عليه .و رابعة بالقياس إلى ما ثبت كونه من الكبائر الموبقة ، كقوله تعالى ( 2 ) : ( و الفتنة اشد من القتل ) .و قد ثبت في السنة المعتبرة التوعيد على الغيبة ، فتكون من الكبائر .و تدل على ذلك ايضا الروايات الدالة على أن الخيانة من الكبائر ، و بديهي ان الغيبة من أعظم الخيانات .و يدل على كون الغيبة من الخيانة قول النبي ص ( 3 ) في وصيته