خطبه 090-خطبه اشباح
(الشرح): (روى مسعده بن صدقه عن الصادق عليه السلام انه قال: خطب اميرالمومنين عليه السلام على منبر الكوفه، و ذلك ان رجلا اتاه فقال: يا اميرالمومنين صف لنا ربنا لنزداد له حبا و به معرفه.فغضب عليه السلام و نادى الصلاه جامعه، فاجتمع الناس عليه حتى غص المسجد باهله، فصعد المنبر و هو مغضب متغير اللون، فحمد الله و صلى على النبى و آله ثم قال): (الحمدالله الذى لايضره المنع و لايكديه الاعطاء) اى كل الحمد واجب ثابت للمعبود الغنى على الحقيقه الوهاب الذى لايعجز عن اعطاء ما يشاء، لاتنقص خزائنه بالعطاء و لاتبقى موفوره بمنع ما فيها، فان ذلك يجوز على المخلوقين ان هم اعطوا غيرهم شيئا من اموالهم ينقص لامحاله ما لهم، و هو القادر لذاته لايحتاج الى شى ء يجود بالموجود، و هو ان يقدر ان يخلق من كل جنس الى مالايتناهى، لايبلغ الكديه معوله.و هذا كنايه عن العجز.و ان منع عبدا شيئا من حطام الدنيا فلايكون مذموما، لان اعطاه و منعه بحسب ما تقتضيه المصالح الدينيه للعبد، و يذم غيره اذا منع سائلا لانه لايعلم ان للمعطى فى عطائه مفسده و انما يمنع للبخل.و الله تعالى ليس ببخيل اذا سئل اعطى تحننا و رحمه، و اذا لم يساال اعطى تفضلا وكرما.و يقال (و فرته) اذا تركت ما له موفورا عليه و لم ترزاه شيئا، و الموفور: الشى ء التام، و الوفر: المال الكثير، و يقال: توفر و تحمد من قولك و فرته عرضه و ماله، يضرب هذا المثل للرجل يعطيك الشى ء فترده عليه من غير تسخط.و اكدى الحافر: اذا بلغ الكديه، و هى الارض الصلبه، و اكديت الرجل عن الشى ء: رردته عنه، و اكدى الرجل: اذا قل خيره.و قوله (و اعطى قليلا و اكدى) اى قطع القليل و انتقص، يتعدى و لايتعدى.و (المنتقص) مفعول به.و (سواه) و (ما خلاه) كلاهما استثناء، اى الا اياه الذى لم يكن له قبل و لا بعد، اى هاتان الكلمتان لاتجريان على الله تعالى و ذكر عليه السلام عله ذلك و قبل و بعد او كونهما موقوفين احسن من كونهما مبنيين على الضم.و الرادع: الكاف و الدافع، يقال ردعته عن الشى ء فارتدع، اى كففته.و (الاناسى) جمع انسان العين، اصله اناسين فابدلت النون ياء، كما يقال: تظنيت فى تظننت.فان قيل: هذا يدل على صحه قول الاشعرى بانه تعالى ردع الابصار من ان تراه، بان لم يخلق لها الادراك، و ان لم يكن كذلك فما معنى هذه الكلمه؟.قلنا: قد ثبت ان الادراك ليس بمعنى، اذ لو كان معنى ترى به لجاز ان لو خلق الله فى عين الضرير ببغداد ادراك ب
ق الصين فيراه، و لو لم يخلق فى عين البصير ادراك جبل بين يديه فلا يراه، و فى تجويز هذا خروج عن المعقول.و لا شبهه فى انا لانرى الله الان، فليس يخلوا ما ان لانراه لانا لسنا على الصفه التى معها يصلح ان نرى، ان لان بعضى الموانع يمنع من رويته، او ليس هو بمرئى فى نفسه، و اذا بطل القسمان ثبت الثالث فهذا دليل العقل الذى لاياول.و الكلام يكون محكما و متشابها يحتاج الى ان يحمل تاويله على مايوافق دلاله العقل، فالله متعال عن ان تناله الحواس او تدركه الابصار، لكونه على صفه العظمه التى لها يدرك و لايدرك، و لكونه ذاته مخصوصه قديمه بخلاف المحدثات.و هذا الكلام من على عليه السلام رد للسائل، فاستدل عليه بدليل السمع فضلا على ما هو مركوز فى العقل، اذ ينبغى للمستدل ان يخاطب كل احد على قدر علمه، فقال: ان الله قال (و لايحطيون علما) و قال (لاتدركه الابصار)، فقد ردع من طريق السمع و العقل ان يطلب احد ذلك.ثم ذكر ان اختلاف الحال عليه تعالى محال، لانه واجب الوجود بذاته و الانتقال و الحول و الصغر و الكبر من صفات المحدثات.و اذا لم يكن الله تعالى من جنسهالم يجز عليه شى ء من ذلك (و ما اختلف ما للنفى و جوابه فتختلف بالنصب).ثم قال: ولو وهب
و اعطى سبحانه هذه الاشياء النفيسه التى خلقها فى معادنها و ادخرها فى مظانها لمصالح العباد على ما تقتضيه وجوه الحكمه لما تفدسعه ما عنده و لاانتهى مقدوراته.