خطبه 189-سفارش به تقوا
ذكر عليه السلام فى صدر الخطبه انه تعالى عالم باربعه اشياء خافيه لا يعلمها الا العالم بالذات و لا يطلع على تميز حالاتها العالم بالعلم.ثم قال تفصيلا له: انه سبحانه يعلم اصوات هذه الوحشيات فى المواضع الخاليه، و يعرف الفرق بين حالها اذا كانت جائعه او عطاشا او خائفه او بها شبق او نشاط، و يعلم تعالى معاصى الناس و هم يسترونها فى الليالى المظلمه و الاماكن الخاليه، و يعلم احوال السموك و ترددها من بحر الى بحر لخوف او نشاط او طلب رزق او بسياقه ملك و حيوان آخر، و يعلم تعالى اضطراب ماء البحر بالرياح الشديده، فربما يكون ذلك لصلاح قوم و ربما كان لهلاك قوم.و انما لم يقل و يعلم افعال العباد و ان كانت الافعال اعم من المعاصى، لان المراد بما ذكره زجر العصاه عن المعاصى.و روى ان الملكين التقيا فى الهواء، فقال النازل للصاعد: اين كنت؟ قال: ان الله تعالى بعثنى الى بحر كذا، فان ملكا جبارا كافرا اشتهى ذلك الوقت اكل السمكه و جعل شبكه فى الماء و بعثنى الله تعالى ان ادخل فيها سمكه.فقال الاخر: سبحان الله انه تعالى بعثنى الى نهر كذا فان مومنا تقيا جعل شبكته فى الماء و وقع سموك كثيره فيها لاخرجها منها ابتلاء لذلك المومن.وروى ان سليمان النبى عليه السلام دخل عليه يوما امراه تستعدى عليه من الريح انها صعدت الى السطح لبعض الحاجات فرمتها الريح الى اسفل و كسرت يدها، فدعى سلميان الملك الموكل بالريح و قال له: ما هذا؟ فقال: ان الله امرنى فى ذلك الوقت ان ابعث ريحا شديدا من ذلك الجانب تكاد تغرق يسبب تلاطم الامواج فيه، فاستقامت السفينه فيه بهذه الريح و لم تغرق و نجابها اصحابها، فامر الله سليمان ان ياخذ منهم ارش يد تلك المراه.و العج: رفع الصوت، يقال: عج عجيجا.و الوحوش: حيوان البر، الواحد وحشى.و الوحش اسم الجنس، يقال: حمار وحش بالاضافه و حمار وحشى.و الفلاه: المفازه، و الجمع الفلا و الفلوات.و النون: الحوت، و الجمع نينان.و الغمر: الماء الكثير، و قد غمره الماء: اى علاه، و الماء غامر و بحر غمر و بحار غمار و غمارات.يقال: ما اشد غموره هذا النهر اى شدته.و العاصفات: الرياح الشديده.و السفير: الرسول و المصلح بين القوم.و الطهور: الطاهر للطهر.ثم اوصى بتقوى الله، فانه خلقكم و انتم تحتاجون اليه فى خمسه مواضع احتياجا شديدا و ان كنتم لا تستغنون منه تعالى على حال.ثم ذكر ان التقوى سبب فى العاجل لثمانيه اشياء و فصلها.و الدنس: الكدر.و الجلاء: الصقال.و العشى: ظلمه قليله يعترى ضعيف البصر فى اول الليل و روى غشاء و هو الغطاء.الجاش: القب.ثم امر ان يجعل طاعه الله على عشره مراتب، فان طاعته تعالى سبب ثلاثه اشياء قبل ثوابها.و ذكر ان ثمره التقوى فى الدنيا ثمانيه اشياء، وعدها و رغب فيها.و الشعار: ما ولى الجلسد من الثياب.و الدثار: كل ما كان من الثياب فوق الشعار.و دخيل الرجل: سره.و المنهل: المورد، و هو عين ماء يرده الابل فى المراعى.و الورود مصدر ورد اى حضر، و الورد خلاف الصدر.و الطلبه بكسر اللام ما طلبته من شى ء.و الجنه من السلاح: ما يستتر به.و المصباح السراج، و السكن: كل ما سكنت اليه.و الوحشه: الخلوه من الغم.و نفس الله كربته: فرجها.و انت فى نفس امرك: اى فى سعه.و الحرز الحفظ.و المتالف: المهالك.و المكتنفه: المحيط به.و الاوار: حراره النار من الشمس.و احلولت: صادرت حلوا.و التراكم: التجمع و التراكب.و اسهل: صار
سهلا.و انصب: صار ذا نصب و تعب.و هطل: سال.و النضوب: النقصان.و وبل اى مطر عظيما.و ارذاذ ضده.و الرذاذ: المطر الضعيف.و التحدب: الشفقه و العطف.ثم قال: فاتقوا عقاب الله و عذابه و عتابه، اعنى المعبود الذى اراد نفعكم بان وعظكم، و اما بعث الرسل و انزل الكتب وعظا لكم و ليتقوه و ليتقوا عقابه.و انما عدد نعمه عليكم لتكونوا متقين حامدين له، فراقبوا غرضه تعالى، فانه سبحانه ما اراد الانفعكم بجميع ما فعله بكم.و المنه فى وضع اللغه النعمه، ثم قيل من عليه منا اى انعم عليه، و منه المنان من اسماء الله.و من عليه منه: اى امتن عليه، و منه المنه تهدم الصنيعه.و معنى امتن عليكم بنعمته اى عدد عليكم اكثر ما انعم به عليكم لتعرفوها و تشكروه عليها عدا كما يفعله الذى يمتن، كما قال تعالى يمنون عليك ان اسلموا قل لا تمنوا على اسلامكم بل الله يمن عليكم ان هديكم.فعبدوا: اى ذللوا انفسكم لعبادته.و العباده: نهايه ما يقدر عليه المرء من الخضوع و التذلل للمعبود.و اخرجوا اليه من حق طاعته: اى ادوا طاعه الله فانها حق له تعالى فى ذمتكم و اخرجوا منه، يقال: خرجت من دين فلان اى رددته اليه.و قيل معناه: و اخرجوا الى يوم القيامه الذى هو يوم لقاء
الله و انتم مطيعون لله و فى طاعته و اداء حقها.و الطاعه: كل فعل وقع و كان المطاع له مريدا له و كان المطيع عالما به فاعلا له على وجه الاختيار.و قوله ثم ان هذا الاسلام دين الله اى اسلامكم و انقيادكم لله و لرسوله هو دين الله، فخاطب الناس بهذا، و لهذا قدم الاسلام، و اخره الله فى القرآن لانه تعالى قال: دينى اسلامكم لرسولى و اوليائى.فالاسلام فى موضع اللغه هو ان تنقاد لامر غيرك، و يراد به التلسيم، و هو فى عرف الشرع التدين بدين الحق، قال تعالى ان الدين عند الله الاسلام اى الطاعه عند الله هى الاسلام و المراد بالاسلام التسليم لله تعالى و لاوليائه، و هو كالتصديق.و قال عليه السلام فى خبر آخر: الاسلام هو التسليم.و التسليم هو التصديق.و دين الاسلام هو التوحيد و العدل لشهاده شهد الله الايه.ثم وصف دين الله باربعه اشياء فقال اولا: اصطفاه لنفسه كما قال الله الا لله الدين الخالص اى التوحيد.ثم قال و اصطنعه على عينه اى اختار هذا الدين لخاصه امره، و اتخذه صنيعته التى اصطنعها و اخرجها ليكون العمل بذلك الدين على محبه الله و ارادته و التصرف فيه عمل منه تعالى، فهذا معنى قوله: على عينه.و اصطنعه على عينه اى اختاره فيرى منه.ثم قال و اصفاه خيره خلقه اى اخلص لهذا الدين محمدا صلى الله عليه و آله، يقال: اصفيته الود اى اخلصته له، و صافيته و اصفيته بالشى ء: اذا
آثرته به، فان كان كلامه عليه السلام من هذا كان فيه نزع الخافض.و ثم قال و اقام دعائمه على محبته اى و اقام الله عماد هذا الدين على محبته اى على محبه محمد (ص)، قال تعالى قل لا اسئلكم عليه اجرا الا الموده فى القربى.و انما يصح (مودته و) محبته ب(مودتهم و) محبتهم، و المحبته اراده (اراده) تتعلق بفعل فاعلها كما تتعلق بفعل غيره، و اذا علقت بالاشخاص كقولك احب زيدا فالمعنى احب فعله.و على هذا المعنى يقال يحب الله المومن.و اما محبه المومن لله فهى محبه طاعاته و عباداته.و قيل معناه: اقام دعائمه على ما احبه تعالى و رضيه، فيكون الضمير لله.و قيل على محبته اى محبه محمد صلى الله عليه و آله و ارادته، فان ارادته طاعه الله.و الدعامه: عماد البيت، و الجمع دعائم.ثم عد من فضائل هذا الدين ثلاثه و عشرين شيئا، فقال: اذل الاديان بعزه.و المله: الشريعه، و الجمع ملل.و قيل: هى معظم ما عليه قوم.و قوله وضع به الملل اى نسخها به.و المحاده: المخالفه، قال تعالى من يحادد الله اى من يعاده، فيكون فى حد و جانب.و المحاد: المعادى.و اتاق اى ملا.و المواتح جمع الماتح و المتوح، يقال متح الماء اى نزعه، و ربما يكنى عن الدلو بالماتح.قال ابوعبيد:العفا الدروس و الهلاك، و لا عفاء اى لا دروس.و لا جذ بالدال كلاهما مروى و معناهما واحد و هو القطع.و الضنك: الضيق.و الوعوثه لين و سهوله فى الارض يشق المشى عليها، و الوعث: المكان السهل الكثير الرمل يغيب فيه الاقدام.و العصل: العوج، و اصل العصل التواء فى عسيب الذنب حتى يبدو بعض باطنه الذى لاشعر عليه.ثم قال: فهو دعائم اساخ فى الحق اسناخها.و الدين لفظ واحده و الدعائم لفظ جمع، و كذلك ما عطف عليها من قوله: و ينابيع و مصابيح و منار و اعلام و مناهل.و انما صح ذلك لان تقديره فهو ذو دعائم و ينابيع.و قيل: لان الدين يقع على اشياء كثيره من العقليات و الشرعيات، الا ترى ان الاصول الاربعه التى هى التوحيد و العدل و النبوه و الامامه دعائمه، و اكثر العبادات الماليه من الزكاه و الاخماس و المكاسب و المتاجر يبابيعها، و الطهاره و الصلاه و الصوم و الحج و غير ذلك مصابيحها، و الجهاد و القضايا و الاحكام و الديون و الشهادات منارها، و النكاح و الطلاق و النذور و العهود و الايمان و العتق اعلامها، و المواريث و الصيد و الذبايح و الحدود و الديات مناهلها.و قد يتداخل بعضها فى بعض، و التصديق بجميع ذلك و بوجوب العمل و بالاقرار به هو الايمان
، و القول باللسان و العمل بالاركان زينه الايمان.و اساخ: اى اثبت، يقال: ساخت قدمه (فى الارض اى خاضت و غابت منها، و النسخ) الاصل، و الجمع اسناخ.و غزرت: اى كثرت.و شبت: اوقدت.و سفرت اسفر: خرجت الى السفر، فانا سافر، و الجمع سفار كراكب و ركاب.و ذروه كل شى ء: اعلاوه.و قوله: معوز المثار (ل) اى صعب ازعاجه و انهاضه و هيجه و المواثبه عليه و القصاص منه، اى يعجز اثارته و ازعاجه.و روى معوز المنال و روى معون المنال، يقال: اعوز الرجل: احتاج، و اعوزه الدهر احوجه.و قوله و قامت باهلها على ساق اى شده، و الضمير للدنيا، قال تعالى يوم يكشف عن ساق اى عن الامر الشديد، قال و التفت الساق بالساق اى التفت آخر شده الدنيا باول شده الاخره، و منه قولهم قامت الحرب بنا على ساق اى على شده.و المهاد: افراش.و ازف: اى قرب.و القياد: حبل يقاد به الدابه، اى قرب انقيادها للزوال، و انما اضاف الاشراط للدنيا لانها يكون فيها و ان كانت للاخره.و الاشراط: العلامات.و العفاء: الدروس.و الاعلام: العلامات.و الانفصام: الانقطاع.و روى و قصر من طولها اى حبلها.و قوله جعله الله بلاغا لرسالته الضمير للنبى صلى الله عليه و آله.و لا يخبو: اى لا ينطفى ء و لا يخمل.و بحبوحه الدار: وسطها.و الينابيع: عيون الماء.و الاثافى جمع اثفيه و زنها افعوله، و هى ثلاثه احجار توضع تحت القدر اذا اريد ايقاد النار تحتها.و الغيطان جمع الغائط، و هو المطمئن من الارض الواسع.و نزفت ماء البرء: اذا نزحته كله، و انزف: ذهب ماوها، و استنزفت: اى طلبت ذلك.و نضب الماء: اى غار فى الارض و سفل، و انضبته انا.و الماتح: المستقى.و لا يغيضها: اى لا ينقصها.و المناهل: موارد الماء، و غاض الماء و غضته يتعدى و لا يتعدى.و الاكام
و الاكم واحدهما اكمه و يجمع الاكام على اكم، نحو كتاب و كتب و الاكم يجمع على اكام نحو جبل و اجبال.و المحاج جمع المحجه، و هى جاده الطريق.و المعقل: الملجا.و السلم: الصلح.و انتحل: ادعى و قوله و عذرا لمن انتحله معطوف على جعله الله ريا و كذا ما قبله و ما بعده، اى تعذر من ادعى فيه و ان لم يكن محقا.فيقال: انه اهل القرآن فيعذروا القلج.و الفلج: الظفر، و كلاهما روى.و المطيه: الناقه التى تحمل.و حاج به: اى غالب الخصم بالحجه.و توسم: اى تقوس، يقال توسمت فيه الخير.و استلام: اى لبس اللامه، و هى الدرع.و وعى: اى حفظ.