خطبه 234-خطبه قاصعه
شرح الخطبه القاصعه انما سميت هذه الخطبه بالقاصعه لاحد الوجوه الثلاثه: احدها: لان المواعظ و الزواجر فيها مردده من اولها، الى آخرها، من قولهم قصعت الناقه بجرتها اى ردتها الى جوفها و اخرجتها فملات فاها، فكان هذه الخطبه تكرار الوعد و الوعيد و تردد الاوامر و النواهى.و الثانى: ان يكون من قصع القمله، و هو ان يهشمها و يقتلها، فكان الخطبه هى القاتله لا بليس و الهاشمه له.و الثالث: ان يكون من قولهم قصعت الرجل قصعا اى صغرته و حقرته، فكان هذه الخطبه صغرت كل جبار و كل عبد متكبر و ان كان مسلما.و اما قوله الحمد لله الذى ليس العز و الكبرياء فالعزيز من صفات الله تعالى، و هو المنيع فلا يغلبه شى ء و ليس كمثله شى ء و القوى الغالب كل شى ء، قال تعالى و عزنى فى الخطاب اى غلبنى.ابن السكيت: يقال: عزه يعزه اذا غلبه و قهره، و عز يعز: اشتد، و منه القرائه بالتخفيف فى قوله (فعززنا بثالث) و عز يعز جامع فى كل شى ء اذا قل حتى لا يكاد يوجد، و هو عزيز.و الكبير فى صفه الله الجليل، و المتكبر فى صفاته الذى يكبر عن ظلم عباده.و لله الكبرياء: اى لله الملك و الملكوت، و فى الحديث: ان الله عز و جل قال: الكبرياء ردائى و العظمه ازارى، اى هما صفتان لله تعالى لا يوصف مخلوق بهما، لا يشركه فيهما احد، و انما اختص تعالى بهما و صفه المخلوقين التواضع و التذلل.و استعير الازار و الرداء لانهما يشملان صاحبهما فى المشاهد بحيث لا يصلان الى الغير، فكذا لا يشرك الله احد من المخلوقين فى العظمه و الكبرياء.و الرداء ملبس، يقال: تردى و ارتدى اى لبس الرداء.فقال اميرالمومنين عليه السلام: جميع الحمد ثابت للمعبود الذى اختص بالعز و العظمه و الكبرياء و الملكوت، و لعن من نازعه و جاذبه فى ذلك، ثم تعبد الملائكه بالتذلل فتواضعوا كلهم الا ابليس فانه لم يتذلل فطرده الله، و لو كان آدم مخلوقا من نور لسجد ابليس و ان لم يكن ذلك عن حقيقه، لانه كان يظهر عباده الله سته الف سنه لا عن حقيقه، فاظهر الله الملائكه ان اعمال ابليس المده المديده وقعت مخطئه فاسده، الا ان ذلك كنت اعلمه خاصه، فالان قد اظهر هو ذلك، اذ قد ابى امرا امرته، فمن فعل مثل فعله فحكمه كحكمه.ثم حذر مخاطبا لهم من وسواس ابليس و شره، فانه من وراء اغوائكم كما حلف.ثم صدقه من جملتكمم من له حميه الجاهليه حتى قصدكم بقوه النفس و ساقكم بالقهر الى النار، و انما يفعل ذلك لانه عدوكم و عدو ابيكم، فهو و خيله يصدوكم فاخلعوا ا
لتكبر و القوا العزه و تحصنوا منه بسلاح التواضع، و لا تكونوا كقابيل حسد اخاه هابيل فقتله فاصبح من الخاسرين، و انتم تتعاطون البغى و الفساد فى الارض كما كانت الجاهليه يفعلون حميه و فخرا و انقيادا لابليس.فهذا خلاصه الفصل المذكور من الخطبه.و العزيز: من لا يقدر واحد من منعه مما يريده.و كبر فهو كبير: اى عظم، و الكبر و الكبرياء العظمه، و كلاهما لله على سبيل الاستحقاق.فاما الاستكبار و التكبر فمعناهما التعظم، و هو اظهار العظمه بالتكلف، و لا يكون التواضع الا ان تتجنب طريقه التبكر فى افعالك و اقوالك، و الحمى على فعل شى ء قد خطر ان يقرب، يقال: حميته حمايه: اى دفعت عنه.و الحرام الحرام مثل زمن و زمان، و الحرام ما اعلم فاعله اودل على انه ليس له ان يفعله.و قوله ثم اختبر بذلك ملائكته اى عاملهم معامله المختبره.و اللعن: الطرد، و قوله تعالى انى خالق بشرا اى ساخلق بشرا يعنى آدم، و سمى بشرا لانه ظاهر الجلد و كان لا يواريه شعر و لا صوف، و كان اصل آدم من تراب ثم جعل التراب طينا، و هو قوله من طين فاذا سويته باتمام خلقه و اكماله و عدلت صورته.