خطبه 162-در توحيد الهى
ذكر بعد التحميد انه تعالى خلق المكلفين وسط الارض مسخره لهم ليتصرفوا فيها، و ارسل الامطار سببا لارزاقهم، فاسالها ليخرج بها حبا و نباتا فى مطمئن الارض و مرتفعها لهم و لمواشيهم.ثم ذكر شيئا من توحيده تعالى و قدمه، و انه واجب الوجود فيما لم يزل و لا يزال، و انه منزه عن شبه الخلق من الاجسام و الاعراض التى كان لها اول فى الوجود و يكون لها آخر، و قد فنى كثيره من الاعراض، فكان لهاايضا فى الوجود.و آخر لا يقال له تعالى متى صار موجودا و كان قبل ذلك الوقت معدوما، و لا يكون لوجوده غايه فيقال انه تعالى يكون موجودا حتى وقت كذا و الى ساعه كذا، و حتى فى العربيه للغايه.و متى سوال عن الزمان، كما ان اين سوال عن المكان.هو تعالى الظاهر لا يقال مما ظهر و تبين.و الباطن لا يقال فيما بطن و استتر.ثم ذكر ما هو كالتفضيل لهذه الجمله.قوله و سطح الله الارض اى بسطها.و المهاد: الفراش، و هنا كنايه عن الارض لسهولتها تحتنا.و الوهاد جمع وهده، و هى المكان المطمئن.و اخصب و اعشب: صار كذلك.و النجد: ما ارتفع من الارض، و الحمع نجاد.وخر لله ساجدا اى سقط.و الجباه جمع الجبهه، و هى اعز الموضع فى البدن، اى يسجد له الملائكه التى هىاعظم اركانا منا متواضعين و يوحدونه.و اضاف الخرور الى الجباه و التوحيد الى الشفاه تخصيصا، و اطلقها و لم يسندها الى الملائكه بل ذكر الكلام تعميما ليدخل فيه الثقلان ايضا.ثم قال: بين لشى ء من المخلوقات حدا يعلم انه تعالى لا يشبهها، فانه تعالى لا يحد و لا يجرى عليه صفات المصنوعات.و روى ابانه لها من شبهها اى ميز الاشياء لما خلقها لا يشتبه مثلان كل ذلك مبين عن صاحبه.و ابانه على هذا مصدر فى موضع الحال، و على الاول مفعول له.و قدرت الشى ء اقدره من التقدير، و قوله لا تقدره الاوهام اى لا تقدره الظنون، و يكون الوهم بمعنى التقدير، و يكون ظنا لا يكون مظنونه.و الشبح: الشخص، اى ليس الله تعالى شخصا فيبلغ اقصاه.و الجسم: هو الذى يتقصى و يعلم غايته، و الله تعالى ليس بجسم و لا يصح عليه ما يصح على الاجسام و الاعراض، فيكون محجوبا كما يكون الالوان و محالها.و يحوى: اى يجمع.قوله شخوص لحظه اى ارتفاعها، يقال: شخص بصره شخوصا: اذا فتح عينيه و جعل لا يطرف، اى لا يخفى عليه اقل شى ء.و الازدلاف: التقدم، اى و لا يخفى عليه تعالى استقبال ربوه تمنع فتح الرجلين و لا اتساع خطوه يعنى لا يخفى عليه ان يخطو الانسان او يمتنع عليه الخطو.و اللي
ل الداجى: المظلم.و الغسق: الظلام.و الساجى: الساكن الثابت.و يتفيو اى يتقلب، تفيات الضلال اى تقلبت.و تعقبه اى تكون الشمس بعد القمر عقبه، اى نوبه، و ركب هو عقبه مثل المعاقبه، و منه قولهم: العرب تعقب بين الفاء و التاء.و تعاقب مثل حدث و حدف و غيرهما.و روى يعقبه اى تاتى عقبه.و الافول: الغيبه.قوله تعالى عما ينحله المحدودن اى يدعونه، من النحله و هى الادعاء كذبا، اى ليس هو بصفه الجسم فيحتاج الى الاماكن و المساكن، و لا يصفه شى ء من الاعراض فيكون له مقدار او محل.و القطر: الجانب، و يقال تاثل مالا: اذا عقده الانتفاع به.و قوله لم يخلق الاشياء من اصول ازليه اشاره الى بطلان قول اصحاب الهيولى، فالبديه: المبتداه، و روى ابديه.و ليس هو عالما بعلم فيكون الباقى له اظهر من الماضى.و ليس هو فى مكان لا على العرض و لا على الكرسى فيكون بما هو اقرب اليه اعلم.ثم نبه كل واحد من العقلاء على الاستدلال بخلقته على الخالق، و تقدير ذلك من اول حاله الذى كان نطفه الى ان صار فى احوال سته: جنينا فى ظلمات ثلاثا مده مديده، ثم جاء الى الدنيا فهداه النجدين.فمن عجز عن وصف مشاهد مخلوق فكيف لا يعجز عن تحديد الخالق الذى ليس بمحدود.و المنشا: المخلوق.و السلاله: استل من الشى ء، و انما قال: بدنت من سلاله من طين لان كل واحد من بنى آدم اصله من التراب، لان الحبوب التى يتغذى الانسان بها و نحوها من التراب.و خاطب عليه السلام به كل واحد من المكلفين، و لا يقدر قادر بقدره ان يصف حقيقه تفصيل جميع احال الادميين منك حال كونه ترابا ثم نطفه، ثم علقه، ثم مضغه، ثم كونها مكسوه باللحم، ثم كونه حيا جنينا، ثم طفلا الى ان يصير بالغا.و لا يعلم الا الجمله التى بينها الله له، فمن عجز عن وصف انسان ذى هيئه و شاره فكيف لا يعجز عن وصف عظمته خالقه الذى ليس بمحدود.فهذا وجه اتصال قوله هيهات ان من يعجز عن صفات ذى الهيئه بما قبله.