[ فاعلم ، أن الحق كما عليه أهله - وفاقا للمعتزلة و خلافا للاشاعرة - هو اتحاد الطلب الارادة ، بمعنى أن لفظيهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد و ما بإزاء أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، و الطلب المنشا بلفظه أو بغيره عين الارادة الانشائية ، و بالجملة هما متحدان مفهوما و إنشاء و خارجا ، لا أن الطلب الانشائي الذي هو المنصرف إليه طلاقه - كما عرفت - متحد مع الارادة الحقيقية التي ينصرف إليها إطلاقها أيضا ، ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس و أبين من الامس .فإذا عرفت المراد من حديث العينية و الاتحاد ، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء و الامر به حقيقة كفاية ، فلا يحتاج إلى مزيد بيان اقامة برهان ، فإن الانسان لا يجد الارادة القائمة بالنفس صفة أخرى قائمة بها ، يكون هو الطلب غيرها ، سوى ما هو مقدمة تحققها ، عند خطور الشيء و الميل و هيجان الرغبة إليه ، و التصديق لفائدته ، و هو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها .]بالاتحاد ، و مما ذكرنا في وجه الاختلاف ظهر وجه الجمع بين كلماتهم فان المغايرة التي قال بها الاشاعرة ، اي مغايرة الارادة الحقيقية و الطلب الانشائي ، لا ينكرها العدلية ، لان مغايرتهما واضحة غاية الوضوح بحيث لا يمكن لاحد إنكارها ، و ذلك لوضوح المغايرة بين ما يكون من مقولة الفعل و ما يكون من مقولة الكيف ، و كذا اتحاد الارادة و الطلب الحقيقيين واضح ، فان الوجدان يحكم بالضرورة بعدم صفة اخرى الارادة قائمة بالنفس يعبر عنها بالطلب ، و ظهر بهذا التقرير انه لا نزاع بينهم بحسب المعنى فالنزاع لفظي بمعنى ان الاشاعرة القائلين بالمغايرة ذهبوا إلى ان لفظ الطلب موضوع بأزاء الطلب الانشائي ، أو المنصرف عنه هو الانشائي ، و ان لفظ الارادة موضوعة بأزاء الارادة الحقيقية التي تكون من الكيفيات النفسانية أو المنصرف عنها ذلك .و العدلية قالوا : ان لفظيهما موضوعان بأزاء مفهوم واحد ، و ما بأزاء أحدهما