الاول زمان على الثاني .و يمكن أن ينتزع من خصوصية وجود الطرفين مفهوم ثالث ، و يتصور مستقلا بغير تصور الطرفين ، كما إذا تصورت السير مطلقا ، و البصرة و الاولية ، و الكوفة و الآخرية ، فالطرفان في النحو الاول من التصور مرتبطان في الذهن كارتباطهما في الخارج ، و في النحو الثاني مرتطبين ، لخروج الارتباط عن كونه ارتباطا بالحمل الشايع عند وجودة مستقلا كما هو واضح .فالارتباط إنما يكون ارتباطا في الذهن حقيقة و بالحمل الشايع إذا كان لحاظه مندكا في لحاظ المتعلقات ، و ملحوظا بعين لحاظها ، و لما كان الانسان محتاجا في مقام إفادة ما في ضميره للغير إلى إفادة هذه الافادات بكلا النحوين ، وضع الواضع لافادتها على النحو الاول ألفاظا ، و للثاني ألفاظا اخر ، و هي الحروف ، و الاولى الاسماء كساير الاسماء الموضوعة لغير الارتباطات من المفاهيم .و هذا هو السر في عدم إفادة الحروف أصلا عند ذكرها بدون المتعلقات ، و إفادة الاسم مفهوم الارتباط الخاص تصورا و لو ذكر بدون المتعلقات .و لعل من فرق بينهما بأن الاسم ما دل على معنى في نفسه ، و الحرف ما دل على معنى في غيره نظره إلى ما ذكرنا .فإذا تحقق ما ذكر علم أن افتراق الاسم و الحرف الموضوعين للارتباط إنما يكون من حيث نحوي الافادة ، و من المعلوم أن إفادة اللفظ المعنى ، و حصول العلم به من اللفظ ليس مأخوذا في المعنى الذي يجعل بحذائه و يراد تفهيمه باللفظ ، فعمل اللفظ في المعنى مختلف ، لا أن المعنى الذي يعمل فيه اللفظ و يؤثر فيه إفادة مختلف ، و هذا هو المراد من قوله : " فالاختلاف بين الاسم و الحرف في الوضع " .